ألبوم الذكريات... صخر العزة

 ألــبــوم الــذكــريــات

لُكل أسرة في هذا الكون ألبومٍ ودفتر ذكريات تجمع فيهما صور ذكرياتها وما مرَّ عليها في حياتها من مُجرياتٍ وأحداث ، وقد تكون مواقف فرحٍ أو ترحٍ ، أو تدون بعض آمال رسمتها أو بعض آلام جرت معها في خضم الحياة العرِم ، فهكذا هي طبيعة الحياة لها وجهان حلوهِ ومُره ، وعلى الإنسان أن يتكيف مع طبيعة هذه الحياة بتقلباتها فمن أفراح بمناسبة زواج أو نجاح أو عيد ميلاد إلى أتراح من فقد عزيز أو ضياع ثروة أو خسارة في تجارة أو فقد عمل ، وهكذا هو ديدنُ الحياة التي فُطرنا عليها ، ولكن هذه تبقى حالات خصوصية لكل أسرة تخصها وحدها ، ولكن هناك فئة من البشر تختلف في خصوصية ذكرياتها المليئة بالأحداث والصور المحزنة لما مرَّ عليها من مآسٍ وآلام ، وإذا مرَّ عليها فرح معينٌ يبقى منقوصاً ومبتوراً ، وهذا الفئة ليس لها خصوصية معينة ، لأن كل أسرةٍ منها تمثل مجتمع ووطن كامل ، فالذكريات فيها تتعدى حدود الجغرافيا ، لكي ترتبط بأنسنة الإنسان ، فيتساءل سائل : ما هذه الأسرة أو الفئة التي تتكلم عنها ؟ فأقول إنها الأسرة الفلسطينية التي تكون هذا الشعب الذي كُتب عليه أن يعيش تحت وطأة أبغض وأحقر احتلال على مرِّ التاريخ ؛ وتاريخ الشعب الفلسطيني منذ القِدم ؛ ومنذُ تاريخ أجدادنا الكنعانيين وحتى وقتنا الحاضر ، ونحن في حلبة صراعٍ أزلي وذلك لأطماع الأمم الأخرى في هذه الأرض المباركة التي وجدنا عليها ، والتي حباها الله موقعاً متميزاً ، وحباها الله بالجمال والعظمة ، فهي أرض اللبن والعسل ، وأرض المقدسات ، وأرض الإسراء والمعراج ، وأرض الأنبياء والصحابة . 

ما دفعني لكتابة هذا المقال وفجَّرَ في نفسي براكين مكبوتة في صدري ، مقال لأخت عزيزة على قلبي تبثُّ فيه شجونها ولواعج وآلام قلبها عن مآسي شعبها في نكبة عام 1948م وما تبعه من نكبات ، ونكبتها بفقدان والدها وهي في ريعان الطفولة وعن كفاح والدتها في تربيتها وتربية شقيقاتها وشقيقها  ، وما كتبته  تمثل حالة كل فلسطيني بأوجهها المتعددة  ، وكاتبة هذا المقال شرَّفها الله بأن تكون في أرض الرباط وأرض العزة في فلسطين الحبيبة التي نتشوق ليوم التحرير والعودة مظفرين إليها ، وقد زادها الله شرفاً لأن تكون إحدى حرائر غزة العزة والمجد والكرامة ، غزة الإباء والجهاد التي تُدافع عن شرف أُمةٍ بأكملها ، وقدمت الشهداء تلو الشهداء ، عدا ذلك عن الدمار والأسرى والجرحى ، وتعيش في حصار غاشمٍ منذ سنين يمنعون عنها حتى الهواء ، لكنها صامدة كالجبل الشامخ لا يتزحزح . 

ومقال أختنا العزيزة  يتحدث عن نكبة فلسطين عام 1948م ولم تقف عند هذه النكبة لتتلوها نكبات تلو نكبات من العدو ومن تنكر وظلم ذوي القربى لشعبنا ووضع يدهم في يد الغاصب بمشاريع ما يسمى التطبيع ، ولن تتوقف نكبات هذا الشعب إلا برحيل هذا المحتل البغيض عن أرضنا .

وكاتبة هذا المقال الذي أتحدث عنه هي أيقونة حرة من أيقونات فلسطين ، إنها الأخت الماجدة الدكتورة نادرة هاشم أبو حامدة ، وهي مثال مشرق ومضيء ونادر لكل إمرأة فلسطينية ، التي تعيش على أرض غزة العزة والكرامة ، وتفتح دفر ذكرياتها لتحدثنا فيه عن استشهاد والدها وعن معاناة والدتها الصابرة المجاهدة ، وكيف أنشأت أبناءها ليكملوا طريق والدهم ، والدكتورة نادرة بنشرها لاستشهاد والدها وارتقائه إلى العلى ، لأنها تعرف أن قصته لا تخص أسرتها وحدها بل تخص كل أسرة فلسطينية ، لأنه لا توجد أسرة فلسطينية إلا عانت من هذا الإحتلال فإما قتل أو أسرٍ أو تدمير بيوت أو تشريد .

فكانت نادرة ووالدتها مثالاً للمرأة الفلسطينية المجاهدة المناضلة ، التي تُربي أبناءها على حب الوطن فالطفل الفلسطيني يولد من أجل الشهادة ويتعلم وينشأ من أجل التضحية ويموت من أجل العودة وتحرير الوطن والذود عن المقدسات وعلى رأسها الأقصى الشريف ، فالأم الفلسطينية هي صانعة الرجل وهي تحمل وليدها مرتين – مرةً في رحمها والأخرى على أكتافها شهيداً لتزفه إلى جنان الخُلد ، فالأم الفلسطينية تُرضع أبناءها منذ طفولتهم جُرعات مُشبعة من الوطنية والعزة والكرامة ،  ووالده يُغذيه بروح الجهاد والفداء والإصرار على تحقيق إحدى الحسُسنيين ، فإما الشهادة وإما النصر ، قال تعالى في سورة التوبة – الآية 52 : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ } ، والدكتورة نادرة هي إبنة شهيد ووالدة شهيد ، فهي سنديانة فلسطينية وسيدة الأرض التي ولدت وتربت فيها مثلها مثل كل حرائر فلسطين اللواتي تربين على حب الحياة وحب الوطن وروح المقاومة ومجد العطاء ، فالمرأة الفلسطينية هي عنوان عزٍّ وفخار وكبرياء ، ورمزٌ كبير للعطاء والتضحية والفداء والصبر لما تحمله أسرة أبيها وأخيها وزوجها وإبنها وحفيدها من قتل وملاحقة واعتقالٍ وتهجير وترويع ومن تجويع وتشتيتٍ للعوائل. 

لقد شرفنا الله أن نولد في هذه الأرض المباركة-أرض الرباط وأرض الشهادة والإستشهاد ، فأبناء فلسطين هم الفئة المنصورة بإذن الله التي حدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم   عن عبدالله بن الإمام أحمد قال : وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله . وهم كذلك ، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" ) وأخرجه أيضا الطبراني . وهكذا يقف الفلسطيني طوداً شامخاً في وجه المحتل ، ونفسه ساخطة على الفشل والهوان والخذلان العربي لقضية شعبه التي لا تخصه وحده بل تخص الأمة العربية والإسلامية . 

فتحية لك أيتها الأخت الغالية ولوالدتك المجاهدة ، ورحم الله والدك وولدك ، وتحية إجلال وإكبار لأرواح الشهداء والشهيدات ، ولأمهات الشهداء وأخوات وزوجات وأبناء وبنات الشهداء ، وتحية للأسرى والأسيرات الذين يجابهون قيد المحتل بعزة وكرامة وتحدٍ وإصرار .

لكِ أيتها الفلسطينية الماجدة والعظيمة أهديكِ أجمل تحية إجلال وإكبار واحترام ، فما أعظم الأيادي الطاهرة الناعمة التي تُربي وتُعلم وتزرع وتُخيط وتُداوي وتُحارب وتُقاوم وتـنتصر .

ما أعظمكِ أيتها الكريمة العـزيزة !  فأنتِ العظيمة بنت العظيمة لأنكِ فـلـسـطـين ، ولأنك لستِ كالأُخريات

 وختاماً أقول ها هو ألبوم ذاكرة فلسطين المفعم بالعزة والكرامة ومجبول بدماء الشهداء ، وفيه من القهر والعتب على ظلم ذوي القربى الذين تركوه وحيداً يجابه أعداء الله وأعداء الدين أبناء القردة والخنازير ويبقى العتب على أبناء هذه الأمة التي تنكرت لقضيتها ، ومدت يدها لتتلوث بيد الصهاينة قتلة الأنبياء .

عاش نضال شعب فلسطين وعاشت فلسطين حرةً عربية أبية من البحر إلى  النهر وعاصمتها القدس الموحدة .

  

 صخر محمد حسين العزة

عمان – الأردن 

19/5/2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي