غفوة… بقلم دنياس عليلة

غفوة بين أحضان الخيال

إذا جنّ المساء تغزو رياح الاشواق
أزقة العتمة و التعاريج الحالكات
تتربص بي على قارعة الليل
تداهمني، تلج مسامي
و تقتحم أعماق الذات...
تنفخ في فتيلة الحنين بداخلي
حتى تغدو نارا و جمرات
يلفح حرها تلافيف ذاكرتي
فأغرق دون إرادتي
في أغوار الخيال
 و أتون الذكريات ...
*****
في حضرة صمت النوى
أتوجس خلف الريح همس كلمات
 يخطف من عيني الكرى
و حفيف خطوات
قادمة من خلف سنين
و ماض قد مرى
وأستشعر رذاذ أنفاس اللهفة
يداعبني كطيف نسيم
أو حبات ندى...
ثم تتعالى الأصوات في الفضاء
فتخترق سكون الوحشة الظلماء
أهازيج ساطعة الصدى
و أحاديث جهورة النداء
يخالطها رنين القهقهات
و طرطقة كؤوس البهجة
على موائد المحبة و الهناء

تتراقص أمام ناظري
 أطياف جذلى
تتسربل بحلل الضياء
 اطياف من وهج الذكرى
ارتسمت ملامحها على صفحات الدجى
تتهادى كلّ حين و تعلو بالمدى
 ******
أرمق الأفق بعيون حالمة
وأتشبث بتلابيب سحابة عابرة
علني لو ارتقيت السماء
أمسك بحلمي من العلياء
فتستكين خواطري الثائرة
و المبعثرة على أرصفة المساء
****
في غمرة التمني والرجاء
تنبثق خيوط نور
من عمق الدجى
تدحر غيوما سوداء
قد ساح منها الأسى
و تلفني بشعاع أمل
تولد من رحم السماء
و كأن الليل يرسم لي
 بزوغ فجر لقاء
ينير غبش غياب أحبة
سرق الألوان من الأشياء...
و كأن مشاعر المودة تتدفق
سيولا من العطر المعتق
 تسكبها نسائم الصفاء
و تنثرها بسخاء
ازدان الليل بقناديل العودة
التي تصدّرت واجهة السماء
تزفّ البشرى
و تبث النور
في مواكب الاحتفاء
حيث تتعانق الأفراح
فوق النجم الساهر و الأجرام
وتدنو من القمر المنير
 الأحلام المعلّقة بالغمام
 تتلألأ و تراقص الأماني
 المشعة من كوة الظلام
بات الأفق شديد البهاء
فاهتزّ فؤادي توقا
يلتمس الإحتواء
هاجه شوق أحر
من الرمضاء...
 زادني الحنين توهجا
وأوغل داخلي ضوضاء
أيقضتني من  أوج غفوتي
وأيقضت واقعا قاتم الرداء
زحزح عني أطياف الفرح،
ضخ اليأس في الأرجاء
وأطفأ الأضواء

و آه من شراهة عتمة
التهمت ما تبقى
 من شذرات الضياء !
حتى أفل الفجر باستياء
و فرّ مني الحلم و ناء...

كان متربعا على عرش الفضاء
كان عرسا خرافيا في السماء
كان غفوة ومضاء...

*******
كلّ شيء احتضنه السّراب
وحلّ مكانه سيل ضباب
بقيت قابعة على طرف ليل يباب
 تحلق حولي اسراب الدّهشة والاستغراب
نوافذي مشرّعة للغياب
ألعن غربة حرمتني الأحباب
وجعلت الوحدة هي المآب...
هام بي خلدي في دروب الخيال
ثم عاد أدراجه مخلفا وراءه
ألف سؤال ...

فيا غربة السنين،
في عقالك فرحة هجرت الديار
فهلا فككت العقال
ومسحت عن وجهي ذرات الغبار؟
قد صدأ الفؤاد من طول الانتظار
و باتت ربوعي قفارا
تسكنه عناكب الأكدار
لتغزل خيوط الحزن
 بين ثنايا الروح و الأوتار ...

و يا ليلي العقيم ألا انجل
كي أعانق المنى
في سماء صبح وضاء
علها تنصفني الأقدار
في صحوة النهار
و عل ريح الأشواق بعد الإعصار
تثمر قربا كالديمة المدرار...

دنياس عليلة/ تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي