الماسة الزرقاء... حسام الدين احمد

 💎 الماسة الزرقاء 💎


كانت جميلة ورقيقة وطيبة القلب، ولم أجد ألطف منها خلال الفترة التي عشت فيها معها، فمن المحتمل أني اعتدت رؤيتها كل يوم حتى نبت حبها في قلبي، وألفتُ وجهها الجميل ويديها الناعمتين وقبلاتها الصادقة، حتى أصبح حبنا يكبر كلما تقدم بنا العمر، إلى أن أدرك كل منا أنه لا يستطيع العيش دون الآخر، أو أنها صنعت لنفسها في داخلي صورة تنبض بالحياة، فكلما ذهبت إلى فراشي لأحاول الاسترخاء تأتي لتغازل ذكرياتي وتنام في مخيلتي، وبعد أن أصحو أجد ابتسامتها وقد رسمت في كوب الشاي الذي أريد تناوله وكأنه العسل المصفى؛ وليست أوراق الشاي التي نُقعت في الماء المغلي، وأحيانًا كثيرة تكون معي في أحلامي لتشاركني تلك اللحظات السعيدة، حتى بعد أن أصحو لتكون كنفحة أمل زادت من نشاطي وحبي للحياة وكأني أسعد من فيها، أو كموعظة عالم دفعتني لعمل الخير كأني سأموت غدًا.


ما زال حبها يجري في عروقي حتى بعد مضي كل تلك الأعوام، كثيرًا ما كنت أناديها بالماسة وأعدها بشرائها لها كلما رأيتها أمامي، لعلمي بحبها لها، فقد كانت تجمع النوع المزيف والمصنوع محليًا وترتديه حول عنقها، لتعود هي وتقول لي: ما أفعل بالماسات وقد جمعت كلها في عينيك الجميلتين.


حاولت أن أجد من تملأ مكانها الذي تركته في قلبي، أو أن أُجلسها على كرسيها الذي تركته ورحلت، لكن دون جدوى، ففي كل مرة يبقى ذاك الكرسي فارغًا بعد أن تتركه تلك التي رفعتها وأجلستها عليه، وكأن الكرسي لم يُصنع إلا لها، أو قد تكون كل تلك النسوة قد سئمن منه، أو من البقاء خلف قضبان قفصي الصدري وهن يحسبنه سجنًا، حتى جعلني ذلك أتساءل:

ترى لماذا كانت هي الوحيدة التي تفرح بجلوسها في تلك الظلمات وكأنها ملكة وقد جلست في مملكتها.


حدث بيننا أحيانًا بعض الفتور، بعد أن اختلفنا في الرأي وكل منا يرى أن الصواب معه، وأحيانًا أخرى حين كانت تطلب مني أمورًا ولم أقم بفعلها، وعلى الرغم من ذلك فإن خصامنا لم يكن يطول كثيرًا، فبعد دقائق نعود لنتعانق، وكأننا غصنين في شجرة واحدة اِلتف أحدهما حول الآخر والتحما، حتى اختلطت ثمارهما معًا وأصبحا غصنًا واحدًا.


كنا نتبادل اللقيمات، حتى كأس الماء كنا نرتشف منه معًا، حتى أصبحنا صندوقًا للأسرار كل منا يخبر صاحبه بما يشعر به أو يراه، ولا أذكر أن أحدنا قام بإفشاء سر الآخر، وكان كل منا يخفي عن الآخر آلامه وأحزانه ويرسم بين شفاهه الابتسامة كي لا يشعر الآخر بتلك الأوجاع، حتى تجاور ظلنا، وأصبحتُ أتنفس لتحيا هي، وتأكل لأشبعَ أنا.


ترى كم سيتحمل قلبي حتى يستطيع الوصول إلى مراده، إذ أنه ذاق من الآلام الكثير، ولست أجد أشدها إلا تلك التي تشعر بها حين تصحو من نومك، وتشتاق لأحباب لم يعد لهم وجود حولك، ولا تعرف أين هم الآن ، وأنت ما زلت تتقلب في فراشك وتحرك عينيك يمينًا وشمالًا، فعدم معرفتك لتلك الأمور تزيد من حرقة اشتياقك لهم احتراقًا.


بعد كل تلك الأيام التي مضت ما زلت أذكرها وأذكر جمال عينيها، وابتسامتها التي كانت تفتح لي في قلبي طريقًا لأتمسك بالحياة، لكن اليوم الأمور قد تغيرت، إذ لم تعد الحياة كما كانت، فقد كانت حبيبتي تَشرق بخيوطها الذهبية مع شروق الشمس لأؤدي أعمالي، وفي المساء كانت تحيط بالقمر لتنير لي طريقي.


ذهبت وتركتني أجلس وحيدًا عند ذاك الشاطئ وفي قلبي أسئلة كثيرة؛ منها أني كنت أخبرها بكل شيء.. فلِمَ لم تخبرني هي بسفرها المفاجئ الذي أدمى قلبي، حتى أني ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى المشفى وأنا أحمل في يدي الماسة الزرقاء، بعد أن طلبت من العامل في متجر المجوهرات وضعها في علبة من معدن الذهب لأقدمها لها، فاستقبلني الطبيب بعد أن أمسك بيدي اليمنى وهو يقول لي:

من بين الكلمات التي نطقتها قبل الشهادتين (أخبروه لا تحزن سنلتقي قريبًا في الجنة)، البقاء لله.. إن أُمكَ قد رحلت.


حسام الدين أحمد

بغداد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي