حوار الطرشان..بركات الساير العنزي
الكاتب الأديب القاص :
أبو مروان العنزي / بركات الساير العنزي
من مجموعتي القصصية الثانية ( حوار الطرشان )
حوار الطرشان ج 2----الكويت : الأحد 7/11/2004
فقاطعتها لواحظ :
- غيري الحديث الآن ، وتكلمي في موضوع آخر .. لم أسمع كل كلامك .. لقد شرد فكري بعيدا . هل سمعت آخر نكتة : يقولون أن ثلاثة شباب من حماة يضربون شابا من مدينة حمص وهو يضحك ، قالوا له : لماذا تضحك وقد أوجعناك من الضرب ؟ قال : أعرف أنكم من الكاميرا الخفية .. ضحكت الصبيتان وقد سمع ضحكتهما الهستيرية كل من في الشارع . قالت حلا نعم أنا أكلمك في موضوع وأنت تتحدثين في اتجاه ، لا تريدين أن تسمعي كلامي ، حديثنا مثل حديث الطرشان .
....تكرر اللقاء بين الصديقات في نفس المكان في كفتيريا الجامعة ، وقد طلبت حلا من أخيها نادر الحضور بعد الموعد بساعة ..كانت حلا تجلس بالقرب من لواحظ وفي المقابل جلست ضحى وميثا وشخص جديد أثار انتباه حلا فقالت : عرفينا على الأخ ياميثا ، ضحكت ميثا وقالت هذا خطيب ضحى ، وعلى ضحى أن تعرفك عليه ، رد الرجل بسرعة وقال : هايل مجد الدين سعد ،، سنة أخيرة من كلية العلوم سأ تخرج بعون الله في نهاية الفصل الثاني . - أه يا ضحى ..تتصرفين بسكوت وصمت أنت مثل الماء الراكدة ولكنها غريقة ، يغرق من يعوم ببحرك، كان الله في عونك يا ها يل ،ستجدين العقوبة ولكن في وقت آخر. ضحكت ضحى وبقيت محافظة على اتزانها المعروف وقالت : لم نعلن الخطوبة رسميا ، إن شاء الله سأدعوكن بعد أسابيع لحفل الخطوبة ، وأنتن أول المدعوات ... لحظات وحضر نادر ، حيا الجميع .. ونظر إلى لواحظ نظرة خاصة كشفت سره أمام الآخرين . قالت ضحى : من سيكون السابق حلا أم نادر؟ ضحك نادر ونظر إلى لواحظ وارتد نظره بسرعة أمام نظرات لواحظ الثاقبة . ورد نادر وقال : هذا نصيب .وأتمنى أن تتزوج أختي قبلي وأن تجد ابن الحلال الذي يليق بحلا الجميلة . صفق الجميع لكلمة حلا الجميلة . وقالت ميثا أحسدك على هذا الأخ النبيل ، أين كنت تخفينه عنا ياحلا؟! . شعرت لواحظ بغيرة في نفسها من كلام ميثا ، لكنها آثرت الصمت . الصمت أحيانا من ذهب كما يقول المثل . خرج الجميع من الجامعة بعد السرور الذي غمر المجموعة الذهبية. ترافقت الصديقتان في الطريق وكل منهما في تفكير معاكس، شردت حلا بالسيارة وراحت تحلم بفارس المستقبل ومواصفاته ، هل ستحقق أحلامها ؟، وكم من السنين ستنتظر حتى يقبل الفارس المغوار ؟. أما لواحظ .. راحت تفكر بنادر .. وتوزنه في ميزانها الخاص .. وخاطبت نفسها : يحب أن أتعرف عليه . قطع صمتها صوت حلا ألا تسمعيني ؟ أ كلمك ولا تردين ...أريد سرعة الرد والتفكير من ناحية أخي نادر. إن نادر معجب بك .. ويريد الزواج منك .. طلبت لواحظ من صديقتها أن تمهلها أسبوعا , وترتب لها لقاء خاص مع نادر ، ليتعرفا على بعض عن قرب .وافقت حلا على الطلب وراحت تحضر للقاء الحبيبين المرتقبين .
في مطعم ساحري جميل وصغير ، جلست لواحظ ونادر . أما حلا فقد جلست بعيدا عنهما لتفسح لهما المجال ويتحدثا بحرية . قالت لواحظ : - ما الذي أعجبك في شخصيتي يا نادر ؟ رد نادر وقد تجرأ على الكلام بعد أن ابتلع ريقه لعدة مرات .. --أشياء كثيرة ، أحب السياسي الصادق الذي يعبر عن رأيه ولا يخشى الآخرين .انظري إلى كفاح الشعب الفلسطيني ألا يحتاج إلى قيادات صادقة ؟
-ولكن مالذي يعجبك في شخصيتي يا لواحظ ؟
- نظرت لواحظ إلى نادر مليا ، وقد تفاجأت من رد نادر الذي أجابها في موضوع آخر وقالت في نفسها : إما أن يكون نادر قد تعمد الخروج عن السؤال لفلسفة معينة ،أو أنه لم يفهم سؤالي ! كان في تفكير آخر.
تمالكت نفسها وقالت : عندما صادقت حلا ، أعجبنتني صراحتها المتناهية التي لا تخشى لومة لائم ، ناهيك عن طموحها العظيم ، فهي مستعدة لتسلق أعلى القمم .. ولأني قمة أحببتها ..ولكن قل لي يا نادر: ما رأيك بالزواج ؟ وكيف ترسم شكل حبيبة المستقبل .. نظر نادر إلى يمينه ورأى على الطاولة القريبة منهما رجل وامرأة تعلوهما البسمة والهمسات ، منظرهما يوحي بقمة السعادة فقال : - انظري إلى الطاولة القريبة منا بم يوحي إليك الموقف ؟
- توحي بمناجاة بين اثنين بل قل بين قلبين متيمين ، كأني به يقول لها : أنت لا تتكررين لأنك من النوادر، بحثت عنك في كل أصقاع الدنيا حتى وجدتك ، وعندما وجدتك ، دهشت ، لأنك أجمل مما تصورت . ولكن قل لي بما توحي لك همساتهما ، وماذا تتوقع أن تقول له ؟! - احمر وجهه وجد نفسه محرجا ، أمامه شخصية شديدة الذكاء ، أدرك أنها تريد منه كلاما غزليا جميلا ،ابتسم ابتسامة بسيطة ثم قال : أرسطو يقول لا يوجد أصدقاء ، وعندما تموت الصداقة يموت الحب ، ولكن الحب مصلحة مشتركة بين عميلين .. جاء النادل ليقطع حديثهما ، فقال نادر : قهوة ولكن حلوة ، وردت لواحظ : قهوة مرة بدون سكر. سكت العاشقان المختلفان بالآراء .... كان صوت فيروز يجبرهم على السكوت يمتزج بالقلب ،
نسم علينا الهوى من مفرق الوادي ... يا هوى ..دخل الهوى ... خذني على بلادي خرجا العاشقان من الاجتماع ولم يتفقا على رأي . كأنهما يمثلان اجتماعا لدولتين عربيتين . ...وقفت لواحظ أمام النافذة تنظر إلى سقوط المطر ، لأول مرة يسقط المطر في هذا الفصل ، منظره جميل راحت قطرات الماء تضرب زجاج النافذة فتشكل أغنية رائعة ترددها لواحظ وهي تسند رأسها إلى النافذة وتفكر بنادر.لا بأس به ، الكمال لله ، عقله تجاري الحب لديه مصلحة مشتركة وبإمكاني أن أكون مصلحته ، وأستطيع السيطرة عليه في المستقبل ، لن أتركه سأوافق عليه .. تناولت سماعة الهاتف ... وضربت الأرقام ببطء..ألو حلا .. كيف حالك ؟.. اسمعي لقد اتخذت قراري وأنا موافقة على طلب أخيك نادر .. لتمضي أمور الزواج وفق الأعراف الاجتماعية .. .... كان عرسا حافلا بالضيوف والمدعوين ، امتلأت الصالة حتى غصت بالحاضرين ، لم تبق أماكن للجلوس .. جلست العروس على المنصة ، كأنها ملكة ، المنصة عالية وقد أشرفت على جميع الضيوف .. جميع الصديقات حضرن وقد أحطن بالعروس من الجهتين إحاطة السوار بالمعصم، وقد ارتدين نفس لباس العروس .. لقد ارتدين ثوبا أبيض . وقد زخرف من الجوانب بقطعة مغايرة من اللون السكري ..رصع ثوب العروس بوردة كبيرة على صدرها ...بدأ الحفل بالتصفيق والغناء بد الفرح على الجميع .. قطعت ميثا انتباه الجميع برقصتها الرائعة ، لتعبر عن إخلاصها ومودتها لصديقتها، مما بعث الحماس في المطربة التي راحت تجود بالغناء وتردد :
مـن متـى يا نـاس استـــوى الحــب جنـــــون
مـن متـى انقلبت معـــاني الغــــرام لهيـام وجنـون
مـن متى صارت النـــاس تــــرى الليـل وتعد النجوم
هـل يا ترى من يوم بـدا قلبي يخفق والا من وصل المزيون
زفت العروس إلى بيتها الجديد ، وسط فرح وحبور الجميع .. بدأت بتحقيق حلمها الوردي ، طالما حلمت به منسوجا بخيوط الحرير ... لتهنأ فيه الحمامة البيضاء .
يتبع في ج3
بركات الساير العنزي
تعليقات
إرسال تعليق