قصة قصيرة بقلم ...علي السيد

قصة قصيرة :                     
                               إنشطار

ملحوظةٌ مهمة جداً
" القصة سطحية .. وليس فيها حبكة قصصية .. أو فكرة محورية .. ضعيفة جداً .. وخالية تماماً من المضمون .. مباشرة .. سطحية .. ولا تصلح للنشر .. وتافهة  ...
هكذا ستقول قارئي العزيز .. الفاضل .. عندما  تسمع .. أو تقرأ قصتي هذه ..؟!....
وربما سئمت قبل ان تنتهي ..!! .. وربما مللت ..!!! .. أو امتغضت ..!!!........ 
ربما أغلقت أذنيك عن السماع ... وربما هربت عيناك , من تتابع الصور .. والكلمات ..  إلي رفوف المكتبة.. أو إلي أي شيء أخر...تستغيثه .. وتستنصره .. فلتتوقف اذا , وفوراً , والأن , الأن عن القراءة  .. أنا لا انصحك .... مزقها ... أو ألقي بها في سلة المهملات .. ولك ان تسبني .. وكل هذا من حقك طبعاً .." !!........
بالأمس .. انتابتنى حالة وجدانية .. فكرة قصة جديدة .. أطلت برأسها .. ألحت علي فى الخروج .. راودتنى .. أمسكت القلم .. أخذت أحاول .. قلبت ذاكرتى .. أحشائى .. أوراقى المهملة .. عانيت .. تعبت .. وسألت نفسى .............؟؟؟؟!!!!!
" ماذا سأكتب ..؟!..  وكل ما برأسى  تافه .. فارغ .. وغير ذا قيمة تذكر .. مجرد ثرثرة سمجة .. ومملة .. وأفكار هشة ضعيفة .. لا تصلح لصياغة قصة .. مواقف " درامية " .. " كوميدية " .. من زمن غابر .. أحتفظ بها .. فى جمجمتى .. وأحداث عادية جدا , وعابرة .. إذا تحدثت عنها , إنقلب الحديث إلى ثرثرة سمجة .. تجعل من يقرأها , أو يسمعها يمل.. وربما إمتعض , وزهق .. وظللت غارقاً في حيرتي .. وتفكيري .. اكلم نفسي .. اتجول في غرفتي تارة .. وأمسك أوراقي تارة اخري .. وبيدي الاخري أمسك أم رأسي .. أكتب شيئاً ما .. عنا ليّ .. دار بداخلي .. أصغي  لهاتف النفس , يصرخ .. أُكتب .. فأكتب  أشياءً , وأشياء .. أعيد قراءتها ..أخجل منها .. أشطبها .. أمزقها .. ثم القي بها عرض الحائط .. أكتب غيرها.. وعندما أشعر بالتعب ..  أتوقف .. للحظة .. أعيد قراءتها   ف .........."
" ولما كانت نفسي غير هادئة .. أطفأت المصباح .. لففت جسدي بالظلام الدامس ... أسترخيت .. فوق سريري .. حتي يهدأ الألم .. الذي كاد يعصف برأسي .. شددت جفوني علي دبابيسٍ .. غرست في الشبكية .. حاولت أن أنام .. استعذت بالله من الشيطان الرجيم .. وقرأت الفاتحة  .. المعوذتين .. الصمدية .. ووهبت ثواب ما قرأت .. لروح أبي الذي فارقنا ..منذ تسعين يوماً .. ثواني معدودة .. انتفض فيها من جديد .. شيطان الكتابة .. من قمقم رأسي .. المتعبة .. وأخذ يشدني من أذني .. التي نفث فيها شره  .. ووسوس في صدري .. ببضع كلمات ... وانصرف .. فوثبت كالمجنون .. أبحث عن أوراقي .. أحشائي .. مصباحي .. ذاكرتي  ..  أقلامي .. كانت أوراقي كلها , ملقاه علي الأرض .. مبعثرة ,  بطريقة عشوائية.. أمسكت واحدة , نجا ما بداخلها .. حملقت بين السطور .. أبحث عن موضعٍ .. حتي أضيف ما القاه الشيطان آنفاً .. وما ان انكببت علي الأوراق .. لأضع فيها أفكاري , لكن الكلمات راحت .. تتفلّت .. تهرب .. تفر .. تتسرب .. تتبخر .. تتلاشي .. أشتَطُت غيظاً .. تمنيت لو أني أري الشيطان الرجيم ..حتي أُسعه لكماً .. أو ضرباً, علي أُم رأسه بالنعال..ليموت ألف مرة ,  لأستريح منه .. وأنام .. فأنا الليلة .. متعب .. مجهد ... ومريض .. و ..
" وحين عادت الأفكار  .. تتقافز من جديد في رأسي .. وعاد معها اللعين .. يوسوس في صدري  .. وعادت الصور .. تمرق من أمام عيني .. بسرعة البرق .. والأحداث المتراكمة.. المزدحمة .. تتداخل . وتتدافع  .. في عراك مرير.. كنت في استرخاء تام .. " عصرت رأسي بكلتا يديّ ..." لأن الصداع كان يفلقها نصفين ... أو ثلاث . أو أربع  "  .........لا أذكر ...........
أتذكر ...... أسترجع ......
" في المساء ذهبت .. الي بيت أخي الكبير .."  لا أذكر بالضبط .. لماذا ذهبت ..؟!..
فوجدت البنت التي كانت .. وهي صغيرة .. تصعد علي السطح .. المجاور لنا , لتجلس امامي .. بالساعات في الشتاء , والصيف .. بيدها المرآة .. والمشط.. والكتاب الذي تتخذه حجةً للمذاكرة .. يتوسد حجرها .. في سكون تام .. وكانت تتعمد كشف شعرها أمامي ..لتمشطه  فأري سبائكه الذهبية ؟؟ تتطاير مع الريح .. " وكانت تكشف أشياء  أُخري من جسدها  ..................." وجدتها تزف لأبن الجيران ..
" ملحوطة " :
"بعد اليوم سوف أجلس وحيدا..أستمع الي مدفع الإفطار بمفردي..فوق سطح الدار".
الصور تتراقص أمامي, من جديد .. تهتز هزات عنيفة .. والأفكار تتصارع .. تتداخل .. في معركة مريرة .. أصابت رأسي بدوار .. يشبه دوار البحر .. فصرت أشعر ..وكأن مطارق من حديد .. تدق رأسي .. تفصلها عن عنقي .. وتلقي بها الي الجحيم .......
نهضت .. تركت أوراقي .. أفكاري .. أحشائي .. صوري .. أقلامي .. وضوء المصباح
" في الشهر المنصرم .. دفعت خمسة عشر جنيهاً .. لمحصل النور .." ........ ..
أفكاري تمزق رأسي .. تشرئب .. تتهم قدراتي .. وتشكك في شخصي .............
صنعت كوباً من الشاي علي " وابور الجاز " , وضعته أمامي .. بقطعتين من الجمر الملتهب .. لُصقت في رأسي ..  اتأملُ  أبخرته .. وهي تتصاعد .. علي شكل حلزوني .. أوراقي .. متناثرة .. مُتكورة .. مبعثرة فوق الأرض.. مددت يدي , أمسكت واحدة.. فردتها أمامي.. وأنا أشعل ذاكرتي..وسيجارتي العشرين .....
" في شبه غيبوبة .. مرقت  صورة من أمامي .. سريعة .. خاطفة .. لفتاة جريئة مراهقة , وجميلة .. كانت غرفة نومها .. تطل علي غرفة نومي.. في البيت الذي كنت أسكنه .. في المدينة البعيدة " .......... فأرجأتُها الي قصة أخري " .............
" وصور أخرى كثيرة ... مخلة ... مخجلة ... ألحت عليّ ... فرفضتها تماماً .... ".ّ!
" ملحوظة  أخري " :
" حين قالوا ليّ ان أي امرأة  ما ... تشبه  أي امرأة  ما ....كانوا خاطئين ....."..!!!!
رميت السيجارة التي لسعتني ... بين أصابعي ... تنبهت لكوب الشاي .. كان قد برد .. ارتشفت منه رشفات ... متتاليات ... ثم إتكأت علي جنبي ... أفكر ... أتذكر .... أسترجع ..........
" حين رأيتها تصلح من ثوبها .. أمام المرآة , الضخمة ..خنثت ..وأنا محتقن ..مترقب.. ما سيحدث بعد ذلك..ولأن المكان كان حساساً..والموقف صعب جداً..وقع قلبي في رجليّ .. ودمي هرب.. نهضت ..وركبتاي تضربان في بعضهما..وخجلت من نفسي .. ومنها."..
موقف سخيف .. طالما أتعمد استبعاده .. عن ذهني دائما .. ولن أذكره .. فأنا متوقع عدم جدواه ... إذا لا داعي لذكره .... حملقت في المصباح .. المكتب .. الكتب ... الهدوم .. المعلقة فوق الحائط .. في شماعة ... " اشترتها ليّ  امرأة  أخي .. من السوق ". ... أتذكر ... أسترجع .....
" كان عراف أبله .. يدعي الغيب ..يحضر الي بيت جارتنا .. ليقرأ لها الكتاب ... والنسوة محتشدة .. مجتمعة .. وهنّ يحطنه من كل جانب .. وكانت أمي , وسطهنّ  .. وأنا طفل صغير ... أعي ... وأفهم كل شيء .. سألته أمي .. ؟ .. ان يقرأ ليَّ الطالع ... وأعطته " ربع جنيه " .. فتح الكتاب .. قلّب في صفحاته .. غمغم ... ثم تمتم ... ببعض كلمات غامضة ... وغير مفهومة ... وأنا أتابع إرتعاشة  يديه ... وشفتيه .. ولحيته الكثة .. البيضاء .. ودوران عينيه الحمراء , في محاجرها .. وكأن جنياً قد تلبسه .. برهةُ صمتٍ.. ثم رفع رأسه المنكّسة .. فجأة .. ورنا إلي بجمرتين , كبيرتين .. ووجهٍ عبوس , مقطّب الجبين , أرعبني .. وقد وضع يده علي رأسي .. وبنبرات مرتعشة ....
ـ سيعيش  غريباً في بلاد بعيدة ..... وسيتزوج من امرأتين ... ؟!!.
وأخذ يرددها .. وكأنه يغنيها .. وهو يهز رأسه .. ويبتسم ابتسامةٍ خبيثةٍ ... فضحكت أمي من كلامه .. وهي تضرب علي صدرها بيدها.. متعجبة  مندهشة .. وعندما طلبت منه .. أن يوضّح لها الأمر أكثر ..  هرش في رأسه .. بذكاء .. وبلياقة ..  وبلباقة ُيحسد عليها .. اعتذر لها .. متعللاً بأن الشمس قد غربت .. وهو لا يستطيع ان يقرأ أكثر من ذلك .. " .؟.!!!
" ملحوظة أخيرة  " :
" أنا أكره الغربة.. والسفر أيضاً .. وحتي الأن لم أتزوج .. لأني لم أزل أبحث .. عن أنثي تشاركني الحياة .. تفهمني وافهمها .. تحبني وأحبها .. وجميلة .. أنثي مغايرة عن كل النساء ..اختصر الله فيها جمال الكون .. وفيها جمعت كل نساء الأرض "... ....
خرمشت القطط , الضالة , وهي تبحث عن بقايا السمك .. في سلة المهملات .. تقلقني تغيظني .. تشتت ذهني .. تقلع أعصابي .. وتجعل الصور تتطاير من أمامي .. .. والساعة كانت تشير الي الخامسة صباحاً .. قرأت كل ما كتبت .. تأملته للحظة .. هممت أن أتخلص منه .. فقد ساورني شك .. بأنيّ قد أطلت .. وما طُلت .. ما أردت .. وبأن كل ما كتبت .. وما قلت .. مجرد أحداث سمجة .. وثرثرة فارغة ,, ممللة .. ولا تهم القارئ في شيء .. وساوس .. ألقاها الشيطان في نفسي.. وقزفها اللعين في رأسي .. وفر , وانسل .. ثم انزوي لي هامساً .. ناصحاً , أميناً .. ليقول لي .. : " أتعبت نفسك .. وأجهدت ذهنك .. في كلامٍ فارغ .. وبأن كل ما كتبته , شيءٌ تافه .. وبأنيّ قد أضعت وقتي .. ووقته الثمين سدي .. فثاورني شك .. بأن كل ما قاله ليّ صحيح .. فهممت بأن أشطبه .. وأمزق أوراقي كاملة .. لكني تراجعت في الحظة الأخيرة .. واكتفيت بتكويرها في يدي .. وإلقائها  علي الأرض ......
أكتفي بما كتبت .. أكوره بين يديّ .. أفعصه بأصابعي .. أفركه .. أهم أن أضرب به عارض الحائط .. تقفز صورة أخري .." لفتاة جميلة .. مراهقة .. مسرعاً أقفز ..أفرد الأوراق من جديد ... تطل من رأسي .. تراودني ... تعرض عليّ نفسها ... أتريث قليلاً تلح عليّ بشدة .. أمسك القلم ... وأنكب علي المكتب ... أكتب ...
" كان الفستان حريرياً .. شفافاً  .. يبرز التفاصيل .. بسمتها ساحرة ..عطرها فواح ... ينفذ من الجسد الّدن .. فيدخلني عطرها بإنتعاش .. فاتنة كانت , وساحرة .. يستقبلنا برج المدينة .. الشاهق كأحلامي في الهواء  .. والهواء الملوث بالأتربة .. يملأ صدري والدخان الأسود ُيغلف المكان ... والبنت المراهقة تلملم شعرها ... المتمرد بين يديها .. تُهدّئ من ثورته .. الجامحة .. مثلي تماماً بتمام .. تظهر وتختفي سريعا ً .. إعلانات ملتصقة .. متباعدة .. مبعثرة .. في كل مكان .. أقرأ بسرعة ..  " أرجوك اعطني هذا الدواء .."  ... " امرأة من ...... " الراعي والنساء " .." النمر والأنثي "..... "الزعيم "وشريط جديد ل " ميادة "..ألتهم وجهها البرجوازي بشراهة .. و أسرح في الخيال ".
أتذكر ... أسترجع ... أفكر .... تثقل رأسي .. فتسقط ألياً علي المكتب .. فجأة .. تهرب الكلمات ... وتطير الصور ... المتراقصة ... تهتز ... هزات خفيفة ....
والأفكار تتراجع ... تتلاشي تدريجياً .. حتي تختفي تماماً ... حينها شعرت , براحة غريبة .. عارمة ... قمت وانا أترنح ...  أطفأت المصباح ... فردت جسدي علي السرير .. استرخيت  تماماً ... عادت الصور ... تتراقص  من جديد .... الفتاة الجميلة ... وعاد معها اللعين ... تتزاحم الأفكار ... تتداخل الصور ... قهراً أغمضت عينيّ ... واستعذت بالله ...وقرأت القرأن ... فسكنت روحي ... وهدأت .. وأحسست  براحة ... غامرة ... وروحي وهي تنسل مني ... وتنسحب  إلي  قاعٍ .....  س .....ح...... ي ..... ق ....

                           بقلم / على السيد محمد حزين ـ مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي