احبكم في الله.... صخر العزة

 أُحــبــكــم فــي الله

ما أجمل بديع خلق الله وما أعظم صنيعُه ، وقد تجلَّى  خلقه في كُلِّ شيء ، ومن عطايا ربنا الكريم أن وهب البشرية خيراتهُ وعطاياه فاليحمدوهُ واليشكروهُ على نِعمه ، ومن أعظم العطايا نعمة المطر ، فما أجمله ذلك منظر المطر وهو ينزلُ مُعانقاً الأرض ، فتُرحبُ به الأشجار والنباتات فرحة بهذا القادم الجميل الذي سيُلبس الأرض حُلتهُ القشيبة ، ويأتي الربيع ببهجته وتنشر الأزهار عبق رياحينها الفواحة لكي يتنسّم الإنسانُ عطرها ويقطفها لتكون هديةً لمن يحُب ، فكم يشتاقُ الإنسان للمطر لأنه بدونه ستكون الأرض صحراء قاحلة ،  ولن تعمُر الحياة ولن تستمر بدون ذلك ، وحالُ الإنسان ونفسه كحال المطر والأرض ، وهذا فحوى مقالي وهو العلاقات الإنسانية والتواصل بين الناس ، فالإنسان بدون التواصل   بالحب والخير تُصبحُ نفسه صحراء قاحلة ، لا يكونُ غِذاؤها وارتوائُها إلا بالكلمة الطيبة ، وقد حضَّ الله عزَّ وجلْ على التعاون بين الناس في قوله في سورة الحجرات – الآية 13 : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} 

إن وسائل التواصل الاجتماعي رُغم بعض سلبياتها إلا أنها قرَّبت المسافات بين الناس   وأصبحت جسور المحبة موصولة بين القلوب ، فما أجمل وما أبهى التواصل الإنساني النابع من المحبة والوفاء والتفاهم والأخوة الصادقة وهي صمَّام الأمان في أيُّ عُلاقةٍ إنسانيةٍ من حُبِّ أو صداقة ويكون نتاجها السعادة والخير للجميع ، وبدون ذلك كُلِّه تُصبحُ الحياة جحيماً لا يُطاق ويكون فيها التعاسةُ لأبناء البشرية ، فالكلمة الطيبة هي كالمطر الذي يروي الزرع وينمو لنحصد ثمارهُ الطيبة ، وكذلك  هو أثرُ الكلمة الطيبة في النفوس ، فكلمتك الطيبة تفرضُ حُبَّ الناس لك ، وإذا قوبلت بالإساءة من أحد فيجبُ أن تضع حائط سدٍّ بينك وبين نفسك مُقابل كل عملٍ قد يسيء إليك من طرف الآخرين ، فالأمطار الغزيرة قد تجرفُ الوديان وتُغرِق الزرع وتُدمره ، ولكن إذا وضعنا في طريقها السدود نعرف كيف نُصرِّف المياه ونُفيد الزرع منها ، وكذلك الحال إعمل سداً لنفسك من أجل أن تعرف كيف تتصرف مع من يُسيء لك أو يستفِزَّك  وتكبح جِماح نفسك عن الأذى أو الخطأ ، وهكذا تُصبح أنت صاحبُ الفضل عليهم ، فاحترامُك لنفسك يفرضُ احترام الناس لك .

إن كلمتي أو أيَّ كلمةٍ تكونُ موجهةِ إلى إيَّ إنسانٍ آخر ، وقد يُسيء البعض فهم المقصود منها ، وما أكون فيها إلا ناصحاً ومُرشِداً أميناً ، وما ينبثق من  نفسٍ داعيةٍ للخير والمحبة  للآخرين ، وليست نفساً أمارةً بالسوء تضمُر الحقد والبُغض وكُره الآخرين ، وقد قال جبران خليل جبران في ذلك : ( بين منطوقٍ لم يُقصد ، ومقصودٍ لم يُنطق تضيعُ الكثيرُ من المحبة ) ، وفي هذا السياق أستحضرُ المُعادلة الصائبة لأدبيات التحاور ومُلخَّصُها هو  ( رأيُك صوابٌ قد يحتمل الخطأ ، ورأيي خطأُ يحتمل الصواب )  فما كلماتي هذه إلا تجسيداً للمحبةٌ والوفاء لمن يعرف معناها ويعرفُ قدرها ، قد لا أملك شيئاً لكي أُعطيه ، و لكني أتصدقُ بالكلمة الطيبة ، والإبتسامة الصادقة النابعةُ من القلب ، وعلينا أن نُخالق الناس بخُلُقٍ حسن وبه كسبُ القلوب ، وعلينا أن لا نكون فوق الجبل لنرى الناس صِغاراً وهم يروننا صِغاراً ، بل نكون كِباراً بينهم بأعمالنا وأخلاقنا وتعامُلُنا ، قد يشُكُّ الناس فيما تقول ولكنهم سيؤمنون بما تُقدم وما تفعل ، فالإنسان المُستقيم يُفضِّل إحترام الناس لمواقفه على حُبهم لشخصه ، وإن كان يسعى لتحقيقِ كِليهما ،  وكما قال الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان : ( أفضل الناس من تواضع عن رِفعة وعفا عن قُدرة ، وأنصفَ عن قوة ) 

رسالتي هذه إلى كُلِّ إحبائي وإلى كُلِّ إخوتي وأخواتي في الإنسانية كونوا لبعضكم ناصحين ، ولبعضكم مٌحبين ، فليست كلماتي انتقاصٌ من قدركم ولا كلماتكم  تنتقصُ  من قدري ، والناس جميعاً  بحاجة للمرشدين من أنفسهم ، وهل ممكن للمُسافرُ  أن يهتدي بغير دليل ، فمن شاور الناس شاركها في عقولها ، فعندما نلمسُ الجانب الطيب في نفوس الناس ، نجد أنَّ هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون لأول وهلة ، وما نحتاج إلا لنُعزِّزهُ  بإيماننا بالله وطاعته  ، ومن يعمل الخير من أجل الخير فهو إنسان ، ومن يعمل الخير تظاهُراً لكي ينال جزاءه بالثناءِ عليه فهو مُراءٍ .

أن العالم اليوم مُرتهنٌ ومُتأثرٌ بالعُلاقات بين البشر ، فبالكُره والحقد والضغينة تنشُب الخلافات ويعُم الدمار ، وبتواجد المحبة والأُلفة والود يعُم السلام والإستقرار ، وقد دعا الإسلام إلى المحبة بين الناس كافة .

 وعلينا أن نتذكر أننا خُلفاء الله في الأرض أنزلنا لإعمارها بالمحبة والسعادة والخير ،  وليس بالبغضاء والحقد والشر ،  وعلينا أن نعرف أن رحلتنا مؤقته في هذه الأرض وبعدها نعود إلى موطننا الأصلي الذى أتى منه أبونا آدم وأُمنا حواء وهي الجنة ، ولن تحملوا في عودتكم إلا أعمالكم ، فاعملوا لذلك اليوم حتى تُفتحٌ لكم أبوابها ، وغير ذلك جهنمٌ وبِئسَ المصير ، فاللهم أرزقنا جنة النعيم مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والأنبياء وصحبه أجمعين 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – عن أنس بن مالك رضي الله عنه : ( لا يؤمنُ أحدكم حتى يُحبُّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسه ) 

نسأل الله القبول والمحبة بين جميع أبناء البشرية وأن يتخلصوا من الأحقاد والضغائن بينهم ، ومن صلُحَ قلبه صلُحَ عمله

صخر محمد حسين العزة 

عمان  - الأردن

28/7/2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي