الطريق الى الهاوية... صخر العزة

 الطريق إلى الهاوية

 

الله عز وجل كرّمَ الإنسان بالعلم ورسالة الإسلام إلى سيدنا محمد بدأت بإقرأ   وانتشر الإسلام بتعاليمه السمحة ونشر العلم والحضارات في كل مكان حط رحاله به ، ومن العلوم التي تعلمها الإنسان هي علم الهندسة وبهذا العلم شيد الإنسان الأبنية ورفع البنيان والصروح الشامخة ، ولكن هذه الأبنية لن تدوم ولن تُعمر إذا لم تكن على أسُسٍ قوية وقواعد متينة ترسخت في أساسها لكي تدوم وتستمر ، وهل الهندسة تقتصر على البنيان فأقول لا ، فهناك هندسة أهم وهي هندسة بناء الإنسان ، وأهم مرحلة في حياة الإنسان هي الشباب وهي مرحلة النماء والقوة وهي المرحلة التي تتشكل فيه شخصيته وبناء مبادئه وأفكاره وانطباعاته بكل ما يحيط به ، وبناء الشباب القوي يعتمد على بنيته الأساسية التي رباه آباؤه عليها فكما تزرع تحصد ، فعماد تربية الشباب يقوم على دعامتين أساسيتين وهما العلم الصحيح والأخلاق الحسنة النابعة من نهج الإسلام فالتربية المبنية على الأخلاق المقترنة بالدين والعلم هي الأساس المتين لتكويـن  شخصية الشباب وتوجيههم نحو الطريق القويم وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي :

 

          وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت         فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا 


فالشباب هم الركيزة الأساس في بناء الأمم وهم أمل الأمة وهم حاضرها وهم مستقبلها وهم الأسس المتينة والقواعد الراسخة في بنية المجتمع وهم السواعد القوية التي ترفع البناء والعقول التي تخطط وتفكر وتعمل لنهضة الأمة ، وهم غِراس الأجداد والآباء وهم المرآة العاكسة لواقع أيُّ أمة وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب إذ قال في رواية عن البخاري : ( أوصيكم بالشباب فإنهم أرق أفئده ، لقد بعثني الله بالحنفية السمحه ، فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ) وبالشباب وعزيمتهم إنتشر الإسلام وعم العالم وانتشرت الفتوحات حاملة الرسالة المحمدية وبها انتشرت الحضارة الإسلامية ، ومعظم الفتوحات الإسلامية كان عمادها جيل الشباب الذين نشأوا بتربيةٍ سليمة وأخلاقٍ حميدة وحملوا رسالة الإسلام في قلوبهم ، فأسامة بن زيد كان عمره سبعة عشر عاماً عندما عينه الخليفة أبو بكر قائداً على جيوش المسلمين ، والسلطان محمد الفاتح عندما فتح القسطنطينة كان عمره إثنين وعشرين عاماً ، والزبير بن العوام حواري رسول الله وأول من استل سيفاً في الإسلام كان عمره خمسة عشر عاماً .

ولكن أتساءل أين نحن الآن من جيلنا الماضي ومن شباب أمتنا السابقين الذين بُنيت على أعتاقهم دولة الإسلام وما تبعها من دول إسلامية على مر التاريخ ، ولكن مع توسع العالم وتطور الحضارة أصبحت مغريات الحياة كثيرة مع تحكم المادة في حياتنا وغياب الوازع الديني والذي لا تستقيم الأخلاق بدونه ، وأصبح القابض على دينه كالقابض على الجمر وأصبحت تشعبات الحياة ومغرياتها لضعاف النفوس والنفس أمارة بالسوء ، عاملاً للسقوط والإنحراف فما فائدة الإزدهار والتقدم الاقتصادي ، إذا تم استلاب عقول شباب الأمة وصرفهم عن قضايا أمتهم إلى توافه وسفاسف الأمور ورذائل الأخلاق ، وإغراقهم بالمحرمات وحينها يكونوا عبئاً على أسرهم وعلى مجتمعاتهم ، فنجد أن نسبة كبيرة من أبناء أمتنا من جيل الشباب سقط في مستنقع الإنحراف فما هو الإنحراف، فالإنحراف هو الخروج عن جادة الصواب والخروج عن الطريق القويم وعدم الإلتزام بسلوكيات وضوابط المجتمع الذي يعيشه ، ولكن ما هي العوامل التي تدفع الفرد للإنحراف ؟  

  1-الأوضاع الإقتصادية والفقر فكل خلل إقتصادي يتبعه خلل إجتماعي 

  2-التفكك الأسري وذلك بطلاق الوالدين وابتعادهم عن أبناؤهم ويتركونهم في مهب الريح ولا يجدوا من يوجههم إلى طريق الصواب 

  3-ضعف الوازع الديني ، فالدين يُهذب النفوس ويقف رادعاً لهم عن ارتكاب المعاصي 

  4-رفاق السوء وتأثيرهم على بعضهم وعدم مراقبة الأهل لهم يؤدي بهم إلى الإنخراط في عالم الرذيلة والمخدرات وغيرها من موبقات

  5-الغنى الفاحش : إن المال إذا وُضِع بين يدي الشباب وكان لا يوجد رقيب على تصريفه بالشكل الصحيح سيكون وبالاً على أسرته ويستغل المال في مسالك غير قويمة

  6-البطالة : إن البطالة هي بيئة خصبة للإنحراف لعدم وجود شواغر يستطيعون من خلالها أن يعيشوا عيشا كريماً وأن يملئوا وقت فراغهم وهذا الفراغ الذي يدفعهم للتفكير بأمور أخرى 

  7-الجهل وقلة التعليم يؤدي إلى استغلال هؤلاء الشباب لجهلهم من قبل زمرة من الفاسدين وجرِّهم إلى مسالك الفساد .


بعد هذه العجالة ماذا علينا كمجتمع أن نقوم به من أجل أن نتلافى سقوط أبناؤنا في شرك الإنحراف ، فكما قلت سابقاً أن بناء الأبناء كبناء البنيان يعتمد على التأسيس وعلى القاعدة ، فما هي العوامل التي يجب أن نراعيها لكي لا يسقط أبنائنا في مستنقع الإنحراف ؟

أولاً : مرحلة التأسيس وهي مرحلة مهمة تقع على عاتق أسرته في تكوين الإنسان فبداية من الطفل الذي يكون هو كالصفحة البيضاء يعلقُ فيها كل شئ من غثٍ أو سمين وجميل وقبيح وهي المكون الشخصي الأولي للإبن ولتلافي السقوط وأن نراعي في تصرفاتنا كل كبيرة وصغيرها لكي نغرسها فيه لكي نزرع فيه السلوك القويم 

ثانيا : مرحلة التعليم وهي تبدأ من الأسرة ومن ثم إلى المدرسة والجامعة وتوجيه سلوكياته وترسيخ الأخلاق الحميده وزرع الوزاع الديني فيه فيكون العاصم له من الوقوع في الخطأ ، فبالعلم يوسع مدارك الشباب ويكون عاملاً مساعدا لإبتعاد الأبناء عن مسالك الإنحراف

ثالثاً : الرقابة : وهذه المرحلة التي يجب على الأهل مراقبة أبناؤهم عند إختيار أصحابهم ونصحهم باللين للإبتعاد عن رفاق السوء الذين إذا لم يكونوا الأهل رقباء لأبناؤهم فقد ينجرفون في عالم الرذيلة والمخدرات وغيرها من الموبقات وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي موسى الأشعري :  ( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسكِ إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة )  

رابعاً : البطالة والعيش الكريم : يقع على عاتق الدوله توفير سُبُل العيش الكريم لأبنائها وبناء المشاريع الهادفة التي من خلالها يستغلون طاقاتهم ويبعدهم عن شبح البطالة الذي من خلاله يعيشون بحالة فراغ قد تُستغل من عديمي الضمير لأهدافهم الخبيثة

خامساً : الإسراف والدلال : على الآباء أن لا يسرفوا على أبناؤهم بالمال من منطلق العطف عليهم وتدليلهم ، وأن يعطوهم بقدَرٍ معلوم حسب الحاجة المطلوبة وأن يعرفوا المقصد في صرف هذه الأموال ، وأن لا يتركوا لهم الحبل على الغارب ، فالحرية المطلقة وبدون رقيبٍ أو حسيب قد تكون دماراً على الشاب وعلى أسرته .


فعليكم بالشباب فهم ثروة الأمه التي لا تُقدر بثمن ، فكونوا لهم الناصحين المخلصين فهم أمل الأمة وعلينا الحفاظ عليهم ، وفي عصرنا الحديث نجد أن نهوض الأمم وتقدمها قائمٌ باهتمامها بشبابها ورعايتهم فهم الركيزه في بناء الأوطان ، فعلينا أن نولي الشباب في أمتنا مكانتهم المستحقة والواجبة من الرعاية والعناية وتوفير الأجواء الملائمة لهم ، إذا كنا جادين في نهضة أمتنا ورقيها فهم صُناع الحضارة وبناة الأوطان وحماته ورمز عزته ومجده ، وقد قال إبراهيم طوقان في الشباب :  

حي الشباب وقل سلاماً أنكم أملُ الغدِ

صحت عزائمكم على دفع الأثيم المعتدِ

والله مـد لـكم يـداً تعلو على أقوى يـدِ

وطني أثرت لك الشباب كأنه الزهر الندي

لا بُـد مـن ثـمرٍ لهُ يـوماً وإن لـم يُعقد

 


صخر محمد حسين العزه 

عمان – الأردن

30/7/2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي