الثالوث المقدس... صخر العزة

 الــثــالــوث الــمُــقــدَّسْ

مُنذُ نشأة البشرية والإنسان يتعلم وكُلُّ يومٍ يمضي من عُمره يجدُ فيه جديداً يتعلمه وحسب دورة الحياة ، والتعليم مقترنٌ دائماً بالتربية التي بها تهذيبٌ للنفس البشرية للبُعد عن كُلِّ الموبقات وتأسيس مجتمعات صالحة عمادها الدين والأخلاق الحميدة ، وهذه الأمور لا تتم إلا بمدارس تقع عليها نشاة الأجيال وتطور الأمم ، وهذه المدارس الثلاث هي الأمومة والتعليم والجُندية .

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ثلاثُ مناسبات إثنتان منهما تقعان في نفس الموعد بتاريخ 21 آذار من كل عام وهما عيد الأم وذكرى معركة الكرامة المجيدة التي قد تخُص الأردن وحدها لكنها تُمثل معنى من معاني العزة والبطولة التي يجب أن تكون مثل لكلا الأُمتين العربية والإسلامية ، والمناسبة الثالثة هي يوم المعلم الذي يصادفُ بتاريخ الخامس من تشرين أول من كل عام ، وهذه المناسبات الثلاث لو دققنا ومحَّصنا بها جيداً لوجدناها مُرتبطات بثلاث معانٍ أو صفاتٍ إنسانية جميلة وهي العطاءُ والوفاء والإنتماء وهذه المعاني الثلاث تُشكل معنى أُمةٍ مُقتدرة ومعنى وطن قويٌّ بأبنائه ويتمثَّل هذا الإقتدار والبناء بثلاث مدارس هي أساس نهوض أيُّ أُمة ، إن صلُحت ؛ صلُحت الأمة كُلَّها وكانت لها الرِفعةُ والعِزة والقوة ، وهي التي تُشَكِّل مدرسة الحياة التي يتمُّ فيها صناعةُ وبناء الأجيال التي هي عماد الأمة ، فالمدرسة الأولى الأمومة التي تقع على كاهل الأم المسؤولية الأكبر في التربية وتأهيل أبنائها لمواجهة معترك الحياة والتي هي الأساس في تكوين المجتمع وهي اللبِنة الأساس في صلاح الأمة التي هي بيد الأم إذا أحسنت التربية وربتهم تربية صالحة ترتكزُ على الدين والأخلاق الحميدة وحُب الإنتماء للوطن وكما قال الشاعر حافظ إبراهيم : 

الأُمُ مدرسةٌ إذا أعددتها                  أعددت شعباً طيب الأعراق

 ثُمّ تأتي بعد ذلك  المدرسة الثانية وهي التعليم وتقعُ على  عاتق المُعلم التي هي أرقى وأسمى مهمة  ، وهي لا تنفصلُ عن مدرسة الأُم بل هي مكملةٌ لها  في بناء شخصية الطِفل وتأهيله إلى المستقبل ، والمعلم هو أمل الأمة في أن تصل إلى التقدم والتطور وهو المصباح الذي يُنير العقول بالمعرفة والثقافة ، لتُصبح عقولاً نيِّرة ، وتقدُم الأُمة يقع على كاهل المعلم ومرهون بجهده وعزمه ولولا وجوده لما كان للعلم مكانة فهو صاحب الفضل في تقدم الأمم وتطورها وبلوغها قمة العلم ، فالمعلم يستحق أن يكون له إحترامه وتقديره وهو أصلاً خِرِّيجُ مدرسة الأمومة الذي يكون صلاحهُ بصلاحها ، فالمعلم هو المُربي للأجيال مُكملاً لرسالة الأم في التربية والتعليم ، ورسالة التعليم هي رسالة خالدة يجب احترامها وتقديرها وعلى الأجيال إحترام معلميهم الذين يأخذون بيدهم إلى طريق المجد والعلو والمُعلم  مثلهُ مثلُ الأم مُربي وباني أجيال  فعلى يده يتخرج الطبيب والمهندس والعالم والجندي وكل أصناف العمل الحياتية نتاجها وأساسها المعلم ، فهو مُربي الأجيال وصانع الرجال المُقتدرين على العطاء لبناء أوطانهم ويرشدهم إلى السلوك القويم ليكونوا جنود المُستقبل فهو صانع الأجيال فطوبى للمعلم الذي يستحقُ الأفضل دائماً       ( ومن علمني حرفاً كُنتُ له عبداً ) وكما قال الشاعر أحمد شوقي تقديراً وإجلالاُ للمعلم : 

قُم للمعلم وفِّهِ التبجيلا                كاد المُعلمُ أن يكون رسولا

  وتأتي بعد ذلك المدرسة الثالثة الجندية بجميع أشكالها ومُسمياتها من جُنديٍّ إلى فدائي ومجاهد ومناضل وكُلها تندرج تحت مظلة حُماة الوطن وهم حُماته وهم رمز الشرف والعطاء ويبذلون أغلى ما يملكه الإنسان وهو الروح فداءً للوطن ، ونستذكر هنا ذكرى معركة الكرامة التي سطر فيها جنود الأردن البواسل وأبطال المقاومة الفلسطينية أسمى معاني البطولة والشرف والتلاحم ، فلقنوا العدو الصهيوني درساً لن ينساه ، وقد تصادف يوم الكرامة مع يوم الأم ليكون هدية من أبناء الوطن المخلصين جنود الوطن لأمهات شهداء الأردن وفلسطين الذين استشهدوا في عام النكسة في حزيران عام 1967م فردوا لهن كرامتهن التي ضاعت في هذه النكبة ، وأن دماء أبنائهِن لم يذهب هدراً ، فكانت أجمل الهدايا وأعظمها على الإطلاق ، وهؤلاء الأبطال لا يكونون بذلك دون الأساس القويم الذي تربوا عليه في مدرسة الأمومة ومن ثم المعلم ، ولن ننسى عظمة الأم  الفلسطينية التي صنعت المعجزات التي تعُد أبناءها وفلذات كبدها للجهاد من أجل الوطن وتزفهم بالزغاريد إن عادوا مُستشهدين وهذه أجمل وأسمى وأعظم صور العطاء والوفاء والأنتماء للوطن ، فيالها من أُم عظيمة ما أجملها وما أعظمها ؟؟؟!!! .

بهذا نرى أن الأم والمعلم والجندي هم أعظم وأجمل صور العطاء والوفاء والإنتماء فهم الثالوث المُقدس الذي يقع على عاتقهم بناء الأوطان

وختاماً تحيةُ إكبار وإعتزاز إلى كُل أُمٍّ ربت فأحسنت التربية ، وإلى كُلَّ مُعلم أعطى بسخاء وكان نورا مضيئاً يفتح الطريق إلى الأجيال إلى مستقبل واعد ، وتحية لجنود الوطن أينما كانوا في أماكنهم وهم الحماة وهم العزة والفخار ، فبعطائكم  ووفائكم أيها الثالوث العظيم يحيى الوطن ، ولله درُّ شاعرنا حبيب الزيودي إذ قال :  

         هذي بلادي بها الأحرار قد طلعوا                  أقمار حقٍ أضاءت في دياجيها

         وعطروا بالدم القاني مدائنها                        وزينوا بأمانيهم بواديها

        وعلموا الناس أنّ الموت أُغنية                      كان الشهيد بإيمانٍ يغنيها

        ولو تطول دروب الفتح نحن على                    قلوبنا وعلى الأهداب نمشيها

       إنا رفعنا لك الراياتَ عاليةً                              وحسبنا أننا كنا سواريها

       وحسبنا أننا في البر نحملها                             بين الضلوع ولم نخذل أمانيها

      وهذه الارض لو من قلةٍ هلكت                          فنحن بالحب لا بالمال نحييها 

 صخر محمد حسين العزة 

   عمان – الأردن 

                                           21 / 3 / 2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي