ملل..حسناوي سيلمي
ملل :
بقلم الأستاذ حسناوي سيلمي
تسللت العتمة إلى الشارع المغطى بثوب من الجليد ، و هبت رياح لتداعب أوراق الشجر الشامخة في وجه البرد ، حفيف خجول يسير على إستحياء ليكسر حاجز الصمت قبل أن يعود مشهد الشقاء ليخيم من جديد. ..
كان واقفا يتأمل المشهد من نافذة غرفته الصغيرة, وجه شقي, تفاصيل تخفي حزنا دفينا و عينان غارقتان في بحر الانكسارات . يسير متثاقلا نحو فراشه المتآكل ، يستلقي بصعوبة على ظهره متأملا نورالزقاق الذي تسلل إلى الغرفة، ازدحام أفكار و شرود ذهن ثم نوم مضطرب . إنها السابعة من صباح يوم جديد ، ينهض ككل مرة ليقف أمام نافذته ... و بكلمات مسموعة يطلق كلماته المعهودة : '' يافتاح يارزاق/صباح الخير عمي عبد المجيد/ياراجل لا تنسي الخبز/ كم الساعة الآن يابنت / ...'' كانت تلك عبارات ساكنة الحيّ التي ترددت على مسامعه طيلة السنين الخالية حتى أصبح يحفظها عن ظهر قلب .
يفتح بعدها خزانة ملابسه، كلها في حالة فوضى يتناول بدلته السوداء يلبسها وهو مزهوا بنفسه ينظر في المرآة أكثر من مرة كأن هناك فرق كبير الآن عن الذي كان قبل ارتداءها ولسان حاله يقول '' نعم, إنه أنا من جديد ..'' ثم يخرج مسرعا بعد أن احتسى كوب قهوته كالعادة . يفتح باب المدرسة، يلقي التحية على الحاجب يسلم على زملاءه الأساتدة وهوفي طريقه نحو قسمه القابع وسط غابة من الأقسام، يجلس شارد الذهن، تسقط مجموعة من الأوراق من يدي التلميذ فوق طاولته... واجبات كثيرة يجب أن تلتحق بسابقاتها، يرفع رأسه ليتأمل حال التلاميذ ... نفس المشاهد التي عاشها طوال السنين الماضية ... تلك تمازح صديقتتها, و ذاك غارق في كراسه و الآخر لايتوقف عن مشاكساته ... دقات جرس الساحة , صوت الشارع, صراخ التلاميذ ... يطأطئ رأسه قبل أن يقوم من مقامه متجها نحو الباب ... يقف للحظات لينظر إلى مئزره المعلق بالكرسي, يبتسم ابتسامة المودع ثم يكمل المسير.
عاد إلى غرفته المليئة بالفوضى، أخذ محفظة أوراقه ثم توجه نحو الشارع و الفرح يملؤ محياه ... يسأله العم عبد المجيد الى أين يا بني ؟ يجيب بابتسامة عريضة '' نحو الحياة يا عمعبد المجيد ''.
تعليقات
إرسال تعليق