الانكفاء نحو الموت السريع... صباح خلف عباس
(( الانكفاء نحو الموت السعيد ))
انتفض غاضباً ٠٠ صعّد كل وعيه وانسانيته في أم رأسه , حتى كأنه يُريد أن يُثقب بهما الأرض والسماء , التفت اليهم قائلا :
" إنكم إذا مافتحتم نوافذكم على مصراعيها سوف لن يدخل غير الهواء الفاسد " ثم انخرط تماماً كنصل شمس مزقته الغيوم , وانزلق غضبه منه , وراح يوزع نظراته على من حوله , هزّ كتفيه , تركهم وذهب ليتيه من جديد في لعبة أن يكون أو لايكون مُتسائلا : " ايّ نوع من الناس همُ ٠٠" إنه يعرف تماما ما معنى أن يكون شابا ( مؤدلجا )زمن إراقة الدماء , حيث تتراكم السياسات كالبنيان المرصوص بشكل منفلت , مما تثير في دواخله هواجس حقيقية من الخوف الدائم , وأحيانا يلهبه أمل منساب كالافعى بين فراغات الزمن الأغبر فينشل منه لحظات من الفرح المتقطع , لكن مع أستمرار هذا التخبط تختلط عنده الأطياف فتتحول إلى سَورة عنيفة حمقاء تبتلع الصفاء والنقاء وعندها يقترب من التيه والضياع ويحس بالأختناق فيرفع رأسه الصغير كأنه (زورية ) صغيرة تروم القفز من الماء , فيصيح :
" أيها العالم ٠٠ متى مَن يسبح فيك لايصيبه العطش ؟؟!!
ولكن صوتا من ذلك التشابك والازدحام ينبعث اليه :
" أما زال تابوتك مفروشا بالقطن ؟؟ "
عندها فقط قرر أن ينسحب من هذه البطولة القاتلة , ومدَّ يده إلى قلمه وبدأ يشطب أبياته الشعرية التي طالما سدّت له أكثر من نزف ٠
انزوى بعيدا , وضع رأسه بين ركبتيه وضلّ يرسم خيط الإنقاذ الواهن للصعود نحو الأمل أراد أن يكون مثل تلك السمكة التي رجعت إلى نهرها , أراد أن يتحاشى المكعبات الضوئية النازلة عليه من المجهول الأ أنه أُصيب بطلقات الشوارع المنفلتة وأصابته في نخاعه الشوكي بالضبط فاختل توازنه وأخذ يتدلى كأنه قِرد يتسلى , (طاح) في هاويات هربت منها جميع الألوان ليعتاش حلكة متناهية من الظلمة والبُعد ,عندها صاح بهم :
" ألا ترون , إني كلما اغتسلت بالكافور أحيا ٠٠٠؟؟ "
لم يكن هناك من يسمعه , تركوه يغرق ويطفو فوق تراكمات العصور المختلفة تلعب به لعبة قاسية ٠
احيانا يصحو بشكل مفاجئ فيتقافز مع الضوضاء لكنه سرعان ما يصيبه الخجل فيُسرع عائدا نحو هاويته المظلمة كأنه صرصار ٠
أجهزة الحس لديه مُعطلة تماما الآن , لم يكن يريد أن ينتهي عدم الاستقرار هذا ٠٠٠لم يك يريد أن ينتهي أو يتوقف الألم ٠٠٠٠
" لا أُريد أن اكون غير أنا ٠٠٠"
وبدأ الغوص من جديد في ذلك الصراع المحتدم المنقول اليه قسرا وطواعية , ليجد في ذلك التناقض الرهيب ملاذا ونورا يوقد له شرف مجيد ما , لذا قرر أن يثقب الأرض وينزل إلى العالم السفلي بكل وعيه المُستَنزَف وإنسانيته المهدورة إلى حيث لم يسبقه كائن حي أن نزل هناك ٠٠٠فقيل له : " أن عالمك السفلي هذا ٠٠ لا يوجد فيه سوى القذارة ٠٠!!
عندها مدّ يده وأسدل الحاجز بينه وبينهم , وظل هو في صخب المشاهد والبطولة يرى نفسه في حاشية الضوء المنسكب من قمره النازل عليه , فيقعد على كرسي الحكم يستنطق الأموات ويعيد اليهم أسمائهم المنزوعة منهم قسرا , وكانت آخر أحكامه هي :
" على جميع الأرواح النازلة الحضور لحفل جنازتي ٠٠٠"
======================================
(( صباح خلف عباس ))
تعليقات
إرسال تعليق