السقوط الى الهاوية... صلاح منير

 قصة قصيرة

بقلم: صلاح منير

السقوط الى الهاوية

حين يعاند القدر الأنسان يقوده الى الهاوية. هكذا كان قدر الأختان رائعتا الجمال سعاد ونوال اللتان كانتا تنتميان الى أسرة متواضعة تتكون من أم وأب وأخ أكبر، وكانت سعاد تكبر نوال بعام واحد، وكانت هذه الأسرة السعيدة تقطن مدينة صغيرة في أحد محافظات وجه بحري، وكان الأب يعمل تاجرا، وحين كانت نوال بالصف الثالث الأعدادي وكانت سعاد بالصف الأول الثانوي أفلس الأب وتوفي بالسكتة القلبية، وكان الأخ الأكبر رضا قد تخرج من الجامعة وعين مدرس للرياضيات باحدى المدارس الثانوية بالقاهرة وأضطر للأقامة بها، وفي هذه الأثناء داهم الأم مرض السرطان، وبعد معاناة مع المرض أنتقلت الى رحمة الله، فاضطر أخاهما رضا الى أخذهما لتقيمتا معه بالقاهرة، ولم تمر ستة أشهر على حضور الأختين الى القاهرة حتى توفى رضا في حادث سيارة وهو عائد من العمل، وبعد أن أفاقتا من الصدمة، جلستا ليتناقشا في أمر حياتهنا.

قالت نوال: ماذا نحن فاعلات الآن بعد وفاة رضا 

سعاد: لا عليك فأنت الصغرى وعليك أن تكملي دراستك، وسوف أبحث أنا عن عمل وأتكفل بمصاريف حياتنا.

نوال: لا بل سوف أشاركك في تحمل المسئولية وأبحث أنا الأخرى عن عمل

وبعد جدال طويل وأصرار نوال على أن تشارك أختها في تحمل المسئولية قررتا البحث سويا عن عمل يقتاتا منه.

وبعد مرور ما يزيد على ثلاث أشهر بذلتا فيهما جهدا جهيدا لم يحصلن على أي وظيفة .. وفي يوم كانتا جالستان على أحد المقاعد بمتنزة بوسط القاهرة  تتبادلان الحديث عما جرى لهما، كانت هناك امرأة مكتظة الجسد تجلس بالقرب منهما، وقد سمعت الحديث فتوجهت اليهما وألقت عليهما التحية، ثم قالت لهما: لقد سمعت حديثكن، وعرفت أنكما تبحثتا عن عمل، وأنا بامكاني أن أوفر لكنا عمل، فلم يصدقتا ما تقوله وبدت عليهم الدهشة والريبة في آن واحد، لكن هذه المرأة كانت داهية وأستطاعت طمأنتهما فكان كلامها معهن له وقع السحر، ثم طلبت منهنا القيام معها لتحقق لهن حلمهما بالحصول على عمل، فاصتحبتهن الى كافيتريا قريبة، وكان بتلك الكافتيريا بار لتقديم الخمور، ثم صعدت بهنا الى مكتب صاحب الكافتيريا، وحين رأهنا الأستاذ مراد بهر جدا بالجمال الخارق للأختان فقبل على الفور تعينهما كمضيفات بالكافتيريا، ثم قال للسيدة المرافقة لهما: عليك بتوصيل الأمورتين ليحصلتا على زي المضيفات، فقالت له: حاضر يا باشا، وبعد أن حصلتا على الزي عادتا الى بيتهما في فرحة غامرة.

 

في مساء اليوم التالي كانتا قد وصلتا الى الكافتيريا لتسلم العمل، وبعد أن حصلتا على ارشادات العمل من مدير الصالة ارتديتا زي المضيفات وخرجا الى الصالة.

لم يكن في خلد أي من الأختين ما سوف يحدث لهن نتيجة هذا العمل، فتعاملتا ببساطة وذوق مع رواد المكان. في البداية بدأ بعض الزبائن في الملاحقة بالنظرات ثم تجرأ بعض منهم بالمغازلة، ولأضطرار البنتان للحصول على المال فقد تحملتا ذلك، ولكن بمرور الوقت زاد الطمع فيهما من رواد المكان فتوجهت الأخت الكبرى سعاد الي مكتب صاحب المكان لتشكو له، وقالت له: ان العمل بالمكان ممتع ويدر مبلغ جيد من المال الا أن المضايقات التي نتلقاها من الرواد زادت عن الحد.

فقال لها: لا حلاوة من غير نار، وعليكن أن تسايرا الزبائن دون تفريط . 

تركت سعاد مكتب مراد ونزلت لأختها نوال وقالت لها: ليس أمامنا الا الصبر حتى نخرج من أزمتنا المالية.

وفي يوم من الأيام أرسل السيد مراد في طلب سعاد، وفعلا صعدت الى مكتبه، حيث قال لها بعض كلمات الأطراء، ثم قال لها: أتريدين أن تستريحي من مضايقات الزبائن. فأجابته: أتمنا. قال لها: اني أحبك وأريدك أن تكوني لي وحدي، فقالت له: أنا لن أكون لأحد الا بالزواج، فقال لها: موافق، وحدد لها ميعاد في اليوم التالي لتقابله ليتمما الزواج.

في تمام الخامسة مساء اليوم التالي كان السيد مراد ينتظر سعاد وأختها نوال ثم أخذهما بسيارته الى مكتب محام حيث سيتم كتابة عقد الزواج ففوجئتا بأن عقد الزواج سيكون عرفيا، فأخذت سعاد نوال جانبا وقالت لها:

ما رأيك يا نوال في حكاية العرفي دي؟

نوال: عرفي عرفي المهم أنه زواج ينقذنا مما نحن فيه؟

سعاد: هل هذا رأيك؟ 

نوال: توكلي على الله. 

فوافقت سعاد ووقعت العقد العرفي لدى المحام صديق مراد، ثم ذهبت معه الى شقته كزوجة. 

لم يمر أسبوعين حتى عرض مراد على نوال الزواج من صديق له قد رأها عنده بمنزله وقال لها: انه رجل ثري مثله، وهو معجب بها للغاية فوافقت نوال، وقد تم الزواج عرفيا بنفس الطريقة. 

وفي يوم أدعى مراد أنه سيقيم حفلة في المساء بمناسبة عيد ميلاده وذهبت نوال وزوجها الى "فلا" مراد وأستقبلتهما أختها سعاد وزوجها، وكان المكان يقتظ بالرجال والنساء وبدأ تناول الخمور والرقص، وكانت هناك ظاهرة غريبة تحدث، حيث كان كل رجل من الحاضرين يأخذ امرأة ويصعد بها الى الطابق العلوي، وفجأة هاجمت شرطة الأداب المكان وتم القبض على الجميع وأصتحابهم الى قسم الشرطة حيث قضوا ليلتهم في الزنزانة. وفي الصباح وأثناء التحقيق أنكر كل من مراد وصديقه أمام النيابة مسئلة الزواج من البنتان وأدعيا عدم معرفتهم بهن. هنا اكتشفت كل من سعاد ونوال أن نسخة العقد العرفي قد سرقت من كل منهن دون أن تدرين. وهكذا انتهت حكاية الأختان بتسجيل أسمهن في أول قضية دعارة في حياتهن فضاع مستقبلهن.

                                            تمت

صلاح منير

مصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي