فيتو على الحياة... عماد نصر
فيتو على الحياة
عندما جلسَ العالمُ حولَ الطاولةِ المستديرةِ
ليقتسمَ الحقَّ كقطعةِ كعكٍ صغيرةِ
جاءَ صاحبُ الكرسيِّ المُذهَّبِ
يجرُّ خلفَهُ حبلَ التاريخِ المُرهَبِ
وقال :
" لنا أن نحيا ... إن شئنا
ولكم أن تموتوا ... إن أردنا "
رفعَ يدهُ ... وقالَ بصوتٍ جهير :
" فيتو "
فسقطتِ المدنُ كالدموعِ على الخدود
وانكسرتِ السماءُ إلى شظايا
تحطَّمَتِ الأحلامُ في عيونِ الرُّضَّعِ
واختبأَتْ الشمسُ خلفَ أسلاكِ الصمتِ .
قالوا عن حقِّ الفيتو :
إنه عدلُ الأرضِ في كفِّ الجبَّارين
وأنه حَكَمةُ الأممِ المستكينين
كيفَ تُصانُ الحقوقُ بمقصلةٍ ؟
وكيفَ تُعلَّقُ الحريةُ على مشنقةٍ من حبرٍ ؟
هنا ... تُقتلُ القضايا بورقةٍ
وهناك ... يُبادُ شعبٌ بسكوتِ لجنةٍ
وهلّلَ الحاضرونَ :
" إنه صوتُ الحكمةِ "
لكنَّ الحكمةَ صارتِ المشنقةَ
وصارَتِ العدالةُ طائرًا مذبوحًا
يُباعُ في سوقِ العبيدِ
باسمِ القانونِ المُعلَّب .
" فيتو "
قالها الرجلُ ذو ربطةِ العنقِ اللامعة
فارتجَّتِ القبورُ، وزادتِ الأشلاءُ بريقًا .
طفلٌ يصرخُ تحتَ الأنقاض :
" هل أنا جزءٌ من النقاش ؟
أم أنّي تفصيلٌ زائدٌ في فصولِ المعاهداتِ ؟ "
صديقي الأمينُ العام
لا تسألني عن الحقِّ
فالحقُّ ليسَ هنا
الحقُّ عاطلٌ عن العملِ في مكاتبِ الأرشيفِ
والإنسانيةُ ليستْ إلا تمثالًا
في متحفِ الأممِ المتحدة .
" فيتو "
تُقالُ لتمنعَ قنبلةً
فتنزلُ بدلًا منها ألفُ قنبلةٍ .
تُقالُ لتُسكِتَ حربًا
فتشعلُ ألفَ نارٍ .
فيا حاملَ الشَّمعِ في عتمةِ المحافلِ
لا تُضيءُ لنا الظلامَ
بل تُشعلُ حرائقَ في القلبِ .
أيها العالمُ
كيفَ تُصَفَّقونَ لطاولةٍ مستديرة
وسيفُها غَرسٌ في خاصرتِنا ؟
كيفَ تُصدِّقونَ ميثاقًا
كُتِبَ بحبرِ الخديعةِ ؟
كيفَ تُنشدونَ للسلامِ
وأنتم تذبحونهُ كلَّ دقيقة ؟
فيتو ...
على طفلةٍ تحملُ دفترَ الرسمِ
فيتو ...
على شجرةِ زيتونٍ تُقاومُ الدبابةَ
فيتو ...
على الحق
على الحبِّ
على الحريةِ
على الحياةِ .
فيتو ...
فيتو ...
فقولوا للعدالةِ ... وداعًا
قولوا للحقيقةِ ... سامحينا
فمنذُ أن وُلِدَتِ الطاولةُ المستديرة
ونحنُ ندورُ في حلقةِ العبثِ
نبحثُ عن وطنٍ ...
في خرائطِ الخيانة .
عماد نصر
تعليقات
إرسال تعليق