الزنزانة رقم صفر.قصة ل عبدالاله ماهل.
الزنزانة رقم صفر
الفصل الثامن/رواية قصيرة"صحفي في محنة"
أفّ.. ها قد أوشك ذلك الدّهليز على النّهاية، وكأنّ لعنة الدّهاليز لا حياد عنها، و يا عجبا لهؤلاء الزّبانية دوما في ذهاب وإياب لا يكلّون ولا يملّون، وكأنهم خلقوا فئران في ثوب بشر؛ انهكت قواه؛ ثقلت رجلاه، وأخذ العياء منه كل مأخذ.
لم يبق له إلّا اليسير، فإذا به أمام بناية غريبة الأطوار يحيط بها سور عالي يكاد يحجب الشّمس سميك الحيطان متراس البنيان، وأبراج اِنتصبت عبر الزوايا ورشّاشات نارية شدوا إليها رجال غلاظ في تربص دائم.
فتح الباب الفولاذي فوقع التسليم والاستلام؛ هو قبال توقيعات على أوراق، وكأن الخلق غدا عندهم سلعة رخيصة بسوق النخاسين.
تلفظه هذا وتلقفه ذاك وكلاهما سيان، وكأن إبرة الظهر أتت عليهم جميعا ولم يسلموا من وخزتها.
وعلى التوّ أخضع لعملية تفتيش مدقّقة، ولم يترك فيه أي شبر إلّا وشمله التّفتيش؛ وما أن وقعت عينا أحدهم على ساعة يده حتى سال لعابه، ومن غير استئذان همّ بانتزاعها فصدّه بالرّفض، فكانت العاقبة صفعة مبرحة على خدّه سرت وبحرارة عبر جنبات وجهه؛ دمعت على إثرها عينيه، ثم عاوده بضربة بمجمع يده على أم رأسه كاد من فرطها أن يخشى عليه، وركله على خاصية ظهره أفقدته توازنه...
سيق إلى غرفة اصطلح على تسميتها دار الضّيافة خصّصت للإقامة المؤقتة للوافدين الجدد من النزلاء في انتظار توزيعهم على الاجنحة.
مستطيلة الأرجاء وحاشية من الإسمنت الأسود انتصبت على طول إحدى جنباتها، خصّصت للجلوس وكنيف بدون باب تشمئز منه الأنفاس في زاوية منها، وحنفية ماء دائمة السيلان والفيضانات، ونور باهت ينبعث من مصباح متسخ من فرط الذباب وبصق الحشرات جعل اللّيل والنّهار على حدّ سواء؛ وغيطان بالية متآكلة جمعت بإحدى الركن تكاد الأوساخ تجعل منها لوحات من الخشب الصلب.
أغلق الباب فإذا به وجها لوجه أمام شخص، ثخين البدن قبيح الوجه موشوم الذراعين لا صديق... لا ثقة يعرف من بدلته أنّه سجين مثله وأيّ سجين؛ هو قاتل قتلة فبادره بصوت مبحوح، ورائحة خبيثة مفعمة بالحشيش تنبعث من جوفه.. طلّع ربّك السّاعة.
فاستغرب لحاله وحال هذا المسجون المغلوب على أمره خارج هذه الأسوار، والفرعون داخل هذه الأسوار.
يبتز هذا وذاك وعلى مرأى ومسمع من الجميع، وبإيعاز وتزكية من مالين الوقت كما يحلو المناداة عليهم؛ وإلّا حرموه من امتياز صفة كبران بداخل هذه الغرفة، وكأنّه عنوة مسلّط على رقاب العباد
تأليف: أ. عبدالإله ماهل
الدار البيضاء/ المغرب
تعليقات
إرسال تعليق