مقارنات خاسرة.... جمال القاضي

 مقارنات خاسرة

بقلمي جمال القاضي 

 

الرضا والقناعة ، الهدوء النفسي والصحة الجسدية  ،  بعض من عوامل كثيرة للسعادة ، لكن الكثير من البشر يظن أنه يفقد هذه العوامل وغيرها ، حينما  يقف بعضهم على مقربة من الآخر ، ويقارن حينها حاله بحال غيره ، يقارن مايمكله هو بمايملكه غيره ، ولايرضى لنفسه أن تكون كفتا المقارنة متزنتين أو يميل مؤشرها بإشارة لثقل كفة الآخر ، فهو يرغب في أن تكون كفته  هي الراجحة دائماً ولاغيرها ، بل ويتمنى أكثر من ذلك ، فقد تذهب به الأمنيات وهوى نفسه  بأن يكون هو الوحيد الذي يتملك مفردات السعادة ، من مال وولد ، من صحة وملك وسلطان ومنصب  ، ولاتضاهيها أي مملكة لمن حوله  .


لكن يرى نفسه في معظم الأحيان خاسراً لهذه السعادة حين لايتملك كل مفرداتها أو بعض منها ، فيصف حاله بأن حظه دائما في عناد معه ، وأن السعادة قد ضلت طريقها في الوصول اليه ،  فهو ليس سعيداً حين يرى أحد أبناءه متعلماً بالجامعة لكن كان هذا الذي حصل عليه من المؤهلات ليس بكلوريوساً في العلوم الطبية فلم يعد طبيبا كما تمنى  ، ولم يكن المؤهل بكلوريوساً في العلوم العسكرية فلم تصبح وظيفته ضابطاً كم تمنى ايضا ، وغيره مما قد يشبه هذه المؤهلات التي كان يرغب فيها لابنه .


ليس هذا وحسب ، بل يذهب بخياله وعقله بعيداً ، ليجلس مقارناً وضعه المالي بمالدى غيره من أشكاله ، فهذا يمتلك أطياناً زراعية ، وذاك يمتلك عقارات وأموالاَ كثيرة ، وغيره يمتلك سيارة ويعمل في وظيفة مرموقة ، فيجلس مع نفسه وأهوائها وحسرة مع تفكيره ، قائلاً ليس لي حظاً في هذه الحياة ، فأنا عملي بسيط ، موظف يتقاضى راتباً لايكفيه ، وهذا ولدي لايعمل ، وهذه ابنتي لم أعد بمالي القليل تجهيزها للزواج ، أصبحت أقترض المال من غيري ، فتكون حسرته على حاله ، بل وقد يتهم الخالق سبحانه وتعالى في التقصير معه بالرزق ، قائلا لماذا ياربي تعطي فلانا وأنا لاتعطيني ؟  لماذا يارب بن فلان متفوق وولدي لا ؟ 


مقارنات كثيرة وكلها فاشلة ، هل قصرت أنت الرزق  وعطاء الله لك على المال فقط ؟  هل رأيت من يمتلك الكثير من المال وحالته الصحية ؟ هل تجولت وتعمقت برحلة في حالته النفسية ؟ هل شاهدت ابنه الذي تراه أمامك متفوقا وكيف يعامل  مع والديه ؟ هل ذهبت مرة ومررت بجوار منزله وسمعت صوت زوجته العالي صراخها ، موجهة ألفاظها السيئة رصاصات تصيب كرامة زوجها ؟ 


هل شاهدت يوما هذا الولد الذي يمتلك السيارة وتراه متفوقاً في نظرك وهو جالس على كرسي بأحد الحانات والخمارات وتتمايل أمامه الراقصات والغانيات ثم يكمل ليلته سكيراً منفقاً هذا المال في الحرام وماهو غير مباح ؟  هل رأيت هذا الذي يمتلك العقارات والارصدة الكثيرة بالبنوك والتي تفوق بعددها عن ما تتخيله وهو يجلس على مائدة الطعام ولايستطيع أن يشرب قطرة من الماء الذي أنت  تشربه بسهولة ؟ هل رأيته حين يذهب للطبيب ويعود  بقائمة من الممنوعات للمأكولات الشهية في نظرك بل ويحرم من أبسطها مما تجلس أنت وتتناولها بشهية  وهي في نظرك قليلة ولاترضيك ويتمنى هو أن يأكلها الآن ولايستطيع ؟


 هل رأيت من يمتلك ماكنت تتمنى أنت أن تمتلكه وهو يضع رأسه وبها تدور ممتلئة بأحداث يومه من أصوات لموظفي شركته وأصوات لتروس وسيور آلات مصانعه وكأنه مازال هناك ومازالت تدور برأسه  ويتمنى أن ينام ولو لبضع دقائق ليستريح فيها ويستريح معها جسده المرهق والمنهك ؟ وهل رأيت هذا الذي يحسب الحسابات بدفاتر عقله وكم يكون المال العائد غدا وكم أنفقت وكم يتبقى من هذا وذاك  فتشرق الشمس عليه دون أن تغمض عيناه ؟


 هل لنا أنا نقارن بعد لك  وقد قسم الله تلك الأرزاق وقدرها لنا بوقت معلوم ؟  تلك المقارنات والله إنها بجميعها خاسرة .


لكن ولكي تستريح عليك أن تعلم بعض الأمور التي أنصحك بها وهي:


رزقك لن يذهب لغيرك .


 كل ماهو مكتوب حتما سيصيبك .


 عليك أن تبتعد عن مقارنة حالك بحال غيرك .


العطاء والمنع لأسباب لايعلمها الا الله .

لاتذهب وراء الظواهر من العطايا فقد يكون العطاء والمنع ايضا اختبارا من الله لعبده .


 عليك أن تعلم   وتتأكد من أن بعد كل عسر يسر وليس لأي حال دوام .

 

وفي النهاية يجب عليك أن تحمد الله على ماأعطاك من نعم حتى وإن كان هذا العطاء  قليلاً وترضى به ففي الرضا سعادة وبركة ، وليست السعادة في الزيادة كما نظن ذلك .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي