حوارية الكرامة والمذلة.... صخر العزة

 حُــواريــة الــكــرامــة والــمــذلــة

إن الإنسان لا يرثُ الكرامة ولا المهانة بل يصنعها بنفسه ، والكرامة مجدٌ يأتي نتيجة عقلٍ مُستقيم وجاد ، أما المذلة فيكون مرجعها لضعف الروح وسقوط الهمة وقلة النخوة والتنازل عن الكرامة .

حوارية بين ماضيٍ مجيد مُكللاً بالعزة والكرامة ، والشموخ لنُصرة الأمة ، وبين حاضرٍ مُذلٍّ ومُهين ومخزٍ ، فُقدت فيه الكرامة التي لا تكون دون التحلي بالشجاعة وقوة إيمانك بعدالة قضيتك ومُعتقدك ، ولا يمكن أن تلتقي الكرامة مع المذلة 

يظهرُ من بعيد أربعة جياد تنهبُ الأرض نهباً ويظهر عليها فُرسانٌ أشداء يحملون بيارق خفاقة تحمل كلمة لا إله إلا الله 

سالم العربي : من هؤلاء الغرباء القادمون من بعيد ؟!! ، ويبدو عليهم القوة والعزة 

أحد القادمين : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا أخا العرب 

سالم العربي : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حللتم أهلاً ووطئتم سهلاً ، ولكن هل لي أن أتشرف بمعرفتكم ؟

أحد القادمين : ألم تعرفنا بعد ؟ نحن من قادة الأمة الذين سطرنا لكم التاريخ الحافل بالأمجاد ، ورفعنا شأن أمتنا بانتصاراتنا 

سالم العربي : حياكم الله وبياكم ، وأنعِم وأكرِم بكم ، يا قادتنا العظام ، ولكن هل لي أن أتشرف بمعرفة أسمائكم ؟

خالد بن الوليد : أنا سيف الله المسلول خالد بن الوليد قاهر الروم في معركة اليرموك 

قطز : أما أنا :  الملك المظفر سيف الدين قطز قائد معركة عين جالوت  ومذل المغول وهازمهم ومحرر القدس وبلاد الشام بأكملها منهم ومن شرورهم 

صلاح الدين الأيوبي : أنا قائد معركة حطين وقاهر الصليبيين وفاتح القدس وفلسطين 

المعتصم بالله : أنا أمير المؤمنين المعتصم بالله ، ولا بد أنكم تعرفون قصتي عندما حركت الجيوش من أجل صرخة إمرأة مسلمة كانت أسيرة لدى الروم ، فاستنجدت بي صارخة: ( وامعتصماه ) وفتحت عمورية نُصرة لها 

سالم العربي : أهلاً – أهلاً بكم يا قادتنا العظام ، وكيف لنا أن ننساكم ؟ فأسماؤكم لا نزال نتغنى بها ، وبطولاتكم لا تُنسى فأنتم ماضينا المجيد 

صلاح الدين الأيوبي : ونأمل من الله أن تكونوا أنتم إمتداداً لنا وحافظتم على ما ورثناه لكم 

قطز : ما أخبار بلاد الشام ، كيف حالها بعد أن حررناها من المغول  وبعد أن  اختارنا الله عنده ؟ ماذا فعلتم وماذا أعددتم وطورتم ؟

المعتصم بالله : هل ممكن يا أخ الإسلام أن تعطينا فكرة عن بلادكم بعدنا ماذا فعلتم بها ؟

خالد بن الوليد : وما حال الروم بعد أن فتكنا بهم في معركة اليرموك ، هل بقي لهم أثر في بلادنا

سالم العربي : يضطر من كثرة الأسئلة التي انهالت عليه أن يفتح شاشة كبيرة ليستعرض فيها البلدان العربية 

سأطوف بكم عبر هذه الشاشة لنعرفكم عن حال بلداننا العربية بعدكم وما وصلنا إليه من تقدم وتطور

صلاح الدين الأيوبي : هذا شيء يُثلج صدورنا ويريحنا بما وصلتم إليه 

سالم العربي : متلعثماً : نعم – نعم – تطور وتقدم !!! 

المعتصم بالله : تركناكم ونحن قلة ، والآن بعد مئات السنين لا بد أنكم أكثر عدداً وعُدة وعتاداً 

سالم العربي : نحن الآن العرب والمسلمون يزيد عددنا عن مليار ونصف نسمة 

خالد بن الوليد : الحمد لله – اللهم أعز الإسلام بكم ، فالله أمرنا بالإعداد والتجهيز ، قال تعالى في سورة الأنفال – الآية 60 : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

سالم العربي : ( يبدأ بالطواف بالبلدان العربية ) : هذه سوريا بلاد الشام – بلاد الأمويين ، وهذه العراق بلد الرشيد ، وهذه مصر بن العاص وهذه المغرب بلاد طارق بن زياد فاتح الأندلس ، وهذه بلدان الجزيرة العربية والخليج  ، وترون من خلال العرض العمران والمصانع والمعدات العسكرية من أسلحة ودبابات وطائرات ، ونفط الخليج

صلاح الدين الأيوبي : وهل كل ما رأيناه هو من صنع أيديكم ؟

المعتصم بالله : وما هذا السائل الأسود الذي يخرج من الأرض ؟ 

سيف الدين قطز : كفى – كفى ولكن ما هذه الصور التي تعرضها هذه الحمم النارية التي تلقيها هذه الآلات وتدمر كل شيء من العمران وتقتل الناس ، ومن الذين يقتتلون ؟

سالم العربي : يزداد تلعثمه : هذا – هذا إسمه النفط ونرسله إلى الغرب مع مواد أخرى في بلداننا ليعيدوه لنا مصنعاً ، أما الدمار وهذه الحمم النارية تصدر من طائرات ودبابات لتدمر كل شيئ 

خالد بن الوليد : وهذا القتل والدمار ضد من ؟ وهذا يعني أنكم لا تصنعون شيئاً 

سالم العربي : إنها يا سيدي حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس في بلادنا من بلاد الشام الى بلاد الرافدين إلى بلاد المغرب وسببها إما طائفي أو على حدود مصطنعة ، صنعها لنا الغرب 

صلاح الدين بغضب : وماذا عن فلسطين والقدس ؟ أرنا هي في شاشتك   

سالم العربي : يضطر لأن يعرض صوراً من فلسطين ويظهر فيها اليهود وهم ينتهكون الأقصى ويعتدون على النساء ، وتُسمع صرخات النساء دون مجيب ، عدا عن شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبناء القردة والخنازير ، ويعرض مشاهد من غزة هاشم والدمار والقتل الذي يحصل فيها ويظهر شباب وهم يواجهون الصهاينة الذين يذودون عنها ببصدورهم العارية بالدفاع عن الأقصى، وعن الأرض المقدسة. 

صلاح الدين يتكلم بمرارة : ويقول لك الله يا فلسطين ويا أقصى ، ولكن الأمل بهؤلاء الفتية المرابطين الذين يذودون بصدورهم بالدفاع عن الأقصى وهم من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذ قال : ( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ، حتى يأتيهم أمر الله ، وهم كذلك" ، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )

المعتصم بالله : ويحكم ، أين ما ذكرته من عُدةٍ وعتاد ، ألا يوجد قائد منكم يستجيب لصرخات هؤلاء النساء المسلمات من حرائر فلسطين ، ألم تقرأوا رسالتي إلى ملك الروم من أجل صرخة إمرأة مسلمة أسيرة إستنجدت بي من أجل نصرتها ، فوجهت رسالة إلى ملك الروم أقول فيها : ( من أمير المؤمنين إلى كلب الروم ، أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيشٍ بدايته عندك وآخره عندي ) ولم يستجب لرسالتي فحركت الجيوش وفتحت عمورية وأنقذتها من الأسر هي وألف إمرأة أخرى

صلاح الدين غاضباً : كيف تسكتون على شتم رسول الله وتبقون صامتين ؟ أين حميتكم لدينكم ؟ ألم تعرفوا ماذا فعلت بأرناط أمير الكرك ، الذي أراد نبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي كان يقطع الطرق على الحجاج ويقتل النساء والأطفال ويقول لهم : قولوا لمحمدكم أن يُدافع عنكم ، وعندما أسرته ، قلت له : أأنت الذي قلت قولوا لمحمد أن يدافع عنكم ) وأجبته : ( أنا العبد الفقير الذي تراه أمامك ، أنوب عن رسول الله في الدفاع عن أمته ) وقطعت رأسه 

في النهاية يتراجع الفرسان الأربعة ويمتطون خيولهم ، ويقولون  وهم يغادرونا : ويحكم ، قبحكم الله ، هل هذا ما تركناه لكم ؟ لقد أغرتكم الحياة ومتاعها ، وأفقدتكم إيمانكم وعزتكم وقوتكم ، وتخليتم عن نصرة إخوتكم في الدين وما كثرتكم إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن ) ، وما أعزنا وما نصرنا الله إلا بالإسلام .

ينطلق الفرسان الأربعة على خيولهم وهم يقولون ويرددون : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي  العظيم ، وليتنا لم نعد ونرى ما خربه أحفادنا .

وختاماً نقول كما قال شيخ الإسلام عبدالله بن المبارك :

             رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ                وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا   

             وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُـلُوبِ                وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْـيَانُهَا


صخر محمد حسين العزة 

عمان – الأردن

15/11/2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي