المراة في يومها العالمي... فؤاد زاديكي

 المرأة في يومها العالمي


بقلم: فؤاد زاديكى


بالثامن من آذار و في كلّ عام يتمّ الحديث و تكرار الكلام عن المرأة لأنّ هذا اليوم هو اليوم العالمي للمرأة, بكلّ تأكيد فإنّ الحديث عن المرأة و أوضاعها و ما تعانيه على مختلف الصُّعُد في المجتمعات - خاصّة تلك المتخلّفة التي تسودها شرائع مُستهلَكة و أفكار مريضة و عادات متخلّفة و تقاليد بالية ليست من المنطق بشيء, فهي التي تساهم في الإبقاء على هذا الوضع المزريّ للمرأة في هذه المجتمعات - أمرٌ مُحِقٌّ, لا بل ضروريّ و واجب, لكنّه و في كلّ مرّةٍ يبقى ضمن نطاق الكلام فقط, أجل الكلام, الذي لا يمكن أن يفعل أيّ تغيير حقيقيّ في وضع المرأة الأسري و الإجتماعي و العملي.

عندما ننظر إلى خريطة المخاطر و المساوئ التي تواجه المرأة في جميع أنحاء العالم, فإنّنا نُصاب بحالةٍ من الذُّعر الشّديد, تجعلنا نقف على حافّة الإحباط, لِما تتعرّض له المرأة من مضايقات في كلّ مجالٍ من محالات الحياة و في كلّ أنحاء العالم, دون استثناء, ربّما تكون هناك بعض المجتمعات خطت خُطواتٍ كثيرة نحو التقدّم في هذا المجال, إلّا أنّها ليست كافية بالقدر الذي يجعل المرأة تشعر بكيانها الشخصي و الإنساني و الأسري و الإجتماعي بشكلّ مستقلّ, دون أن يتمّ إلصاقها بالرّجل, ليكملها على حدّ زعم البعض.

إنّ المرأة ليست ناقصةً في أيّ شيء, و إذا كانت ناقصة فكيف تقوم بتربية الأجيال و تنشئتهم و توعيتهم و رعايتهم؟ إنّها نظرية ساقطة مع كلّ حججها و براهينها, فالمرأة عندما تتوفّر لها الظروف و تزول العوائق عن طريقها في ممارسة حياتها بحريّة و بوعي و باستقلالية, فهي لن تكون أقلَّ شأنًا من الرجل, و قد أثبتت نساء كثيرات في العالم و على مختلف الأصعدة أنّها قادرة على العمل و الإنتاج و الإبداع عندما تمتلك حرّية التفكير و التّصرف, كما هو متوفّر للرجل, دون أي عوائق يمكن وضعها في طريق مسيرتها.

من أهمّ الأخطار, التي تتعرّض لها المرأة في جميع أغلب المجتمعات الإنسانية, و تواجهها يمكن أن نختصرها بإيجاز دون التّعمّق التّفصيلي بالشرّح و المقارنة و التبيان, و أوّل مسألة لم يتمّ حسمها بعد, أو هي لم تتحقّق بالكامل هي مسألة المساواة بين الرجل و المرأة, فإذا تمّ اعتبار أنّ المرأة مخلوقة من ضلعٍ أعوج, أو أنّها عورة أو ناقصة عقل و دين الخ..., فمثل هذه الموانع و الحواجز و التابوات, لا يمكن أن تخلق ظروفًا لتحقيق مثل هذا الأمر و هو ضروريّ, فعندما لا تكون هناك مساواة بين الرجل و المرأة, فإنّ وضع المرأة سيبقى على ما هو عليه دون أيّ تغيير أو تبديل حتى و لو بعد ألف عام. لقد أقرّت منظمة الأمم المتحدة لشؤون المرأة بأنّه: " لا تَغيير حقيقيّ في واقع المرأة في كلّ العالم, و لا يمكن لبلدٍ واحدٍ أن يدّعي أنّه حقّق المساواة بين الجنسين بالكامل".

هناك أخطار كثيرة تُحدق بالمرأة و تُحيطُ بها في كلّ مكان, في الأسرة, في المجتمع, في مكان العمل و حتّى خارج هذه الأماكن كلّها, في الباصات مثلًا و الشوارع و أماكن التجّمعات كالمتنزّهات و المنتديات و النوادي و المدارس و رياض الأطفال و غيرها. من أهمّها العنف الأسري بكلّ أشكاله و التّمييز الواضح بين الرّجل و المرأة و الإقصاء و الإساءة للمرأة على مختلف حالاتها و صنوفها اللفظية و الجسدية و النفسية و المعنوية و كذلك استغلال المرأة جنسيًا مقابل أمور كثيرة منها للحصول على ترقية و منها لتوفير عمل أو وظيفة و منها للحصول على نقاط معينة في مسابقات و ما شابه, و من المخاطر الأخرى الكثيرة التي تتهدّد المرأة في كلّ زاوية من زوايا المجتمع هو التّحرّش الجنسي و كذلك التّهميش الذي تتعرّض له المرأة بعدم إعطائها دورها بالعمل كما يجب, كما أنّه لا توجد عدالة و مساواة بينها و بين الرجل في الأجور و التوظيف, حيث يوجد تمييز واضح بين المرأة و الرجل في مواقف و مجالات و حالات كثيرة.

لا نستطيع القول بأنّ المرأة على ما هي عليه اليوم, هي كما كانت قبل عشرات السّنين, في واقع الأمر هي ليست كذلك, لكنّها مازالت بحاجة إلى المزيد و المزيد و بالمختصر إلى أن تنتهي فكرة الدعوة و الطالبة بالمساواة, من المؤسف أنّ المرأة تترك مصيرها للرّجل في تحقيق ما تطمح له و تسعى إلى الحصول عليه, لهذا هي تقع في فخّ الفكرة الذكورية التي تسود بعض المجتمعات, هذه الفكرة التي تعتبر المرأة غير جديرة بأن تكون مثل الرّجل في كلّ شيء, بالطبع هناك فروق و ميزات خاصّة لدى الذكور غير متوفّرة في الإناث, لكن هل بمقدور الذكر أن يحمل جنينًا في بطنه لمدة تسعة أشهر؟ هل يمكن للرجل أن يقوم بما تقوم به المرأة في أعمال البيت و المطبخ و تربية الأسرة؟ لكلّ من الرجل و للمرأة مهامّ معيّنة و خاصّة بكلّ منهما, و هذا لا يجب أن يمنع من أن تُعطى المرأة ما تستحقّ من اهتمام و احترام و تقدير بفتح كلّ أبواب الحياة أمامها, لتمارس حقّها بالحياة كمخلوق عاقل يقف إلى جانب الرّجل في مسيرة الحياة لا وراءه و لا أمامه, جنبًا إلى جنب يسيران معًا خاصّة في ما يخصّ بناء الأسرة و تربيتها الخ...

في هذا اليوم العالمي للمرأة منّي كلّ محبّة و تقدير متمنيًا لها كلّ الخير و تحقيق العدالة الإجتماعية و إلغاء الفوارق غير الموضوعيّة و تحقيق المساواة الكاملة و هذا حقّها بالحياة, و إنّي سأبقى المناصر و النّصير و المدافع عن حقوقها في كلّ المناسبات لأنّي ابن هذه المرأة المربيّة, المضحية, المعلّمة, المعطاء, فهي الأمّ و هي الزوجة و الأخت و الصديقة و الحبيبة و زميلة العمل الخ...

كلّ عام و يوم ساعة و أنت بألف خير و هناء و سعادة و راحة بال و بحياة حرّة كريمة بعيدة عن كلّ المساوئ التي يمكن أن تهدّد وجودك و كرامتك كإنسانة من لحمٍ و دمّ .

ألمانيا في 8 آذار 2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي