هروب حلم... الأم فوزية
هروب حلم
عند الفجر أو قبله بقليل
و حزمة من أحلام مبعثرة على السرير
مثل كل مرة وعند الفجر أجمعها
وأعيدها داخل صندوقي المزركش
تسلّل من بين التعرجات حلم
هرب
اخترق ستائر العتمة
لم اتمكن من إعادته إلى صندوق الأحلام الصغير
رجوته
هددته
أخفته
والليل يلملم أسراره قبل الرحيل
ولكنه أبَى أن يعود
أَخترقُ شقوقا يتسرّب منها النور
تندلق أمنياتي أمامي
تبتلعها تشققات الطريق
أطارد حلمي الآبق من سرابيل العتمة
في هذه اللحظة يطير سرب من الحمائم البيض
ترسم في الهواء أسماء من رحلوا عن حينا
أستعيد ذاكرتي
تنطلق الروح بترانيم الخلود
تنتشر روائح المسك الصباحية
استشرف الآتي
ولكني كنت على عجل
فلم أتوقف
كنت ألاحق حلما
يهرب مني ثم يتوارى
تشرق الشمس ويختفي الحلم الهارب.
حفيف هواء بارد
أصداء وارفة الأغصان
يلوح معها وجه أبي
ذاك الرجل الضليع في رسم الأحلام
بتاريخ ممتدّ منذ ألف عام
لم يكن أبي قديسا
ولا فقيها
ولا عالما
كان إنسانا...
مجرد إنسان
كان أبي هنا قبل الموت وقبل الحياة
أبي من عجن الحب وشكّل الأحلام
مذ رحل دون استئذان
و كلما خانني الطريق
كلما تهت وخذلتني الخطى
يعود من عالمه السرمدي
يمسكني من يدي
وبصوته الصحراوي المجلجل يحدثني
يا ابنتي احرصي على حملها معك دائما.
-من هي يا أبي؟
-أحلامك، لا تتركيها للّصوص
-أوَ تُسرق الأحلام يا أبي؟
-وهل غير الأحلام تُسرق يا ابنتي؟
أعود إلى الطريق حيث توارى حلمي الآبق
حلمي الثائر
لا زالت الطريق مشروخة،
تعترضني آخر العجائز في حينا
مواطنة من قبل الثورات
ومن قبل الشروخ
كانت تحاول العبور مثلي
-هل نسيت صندوق أحلامك يا خالة؟
-بل نسيتُ تميمة تدلّني إلى طريق العودة
كنت خبأتها في دورق من فخار في بيتنا العتيق
والآن لا أجد بيتنا
و لم أعد أعرف الطريق.
قالت ذلك ثم اختفت، مثل حلمي.
وقعُ خطى يشقّ عباءة الصمت...
صفيق وتهليل
أغاني وطنية وطلقات نارية
مكبرات الصوت تعلن أن هناك حلما هاربا من صندوق الأحلام
يتآمر على أمن البلاد
والعباد
يتآمر مع شروخات الطريق ليسقطوا الدولة
متظاهرون يندّدون
سنابك خيل ودبابات
وأنا في زحمة الحضور كنت أبحث عنه
رأيته يراوغ الجميع
ناديته:
اهرب فأنت الهدف المقصود
وأنت عدوّهم اللدود.
التفت في رعب
رصاصة طائشة اخترقته
فجأة عاد سرب الحمائم البيض
التقطَتْه...جريحا ينزف
حلّقت به عاليا
عاليا
صوت أبي يعود مرة أخرى،
يهمس لي:
-لا تحزني سيعود
حتما سيعود
فالأحلام لا تموت
الأحلام أبدا لا تموت.
الأم فوزية
تعليقات
إرسال تعليق