مولد النور والهدى... صخر العزة

 مــولــد الــنــور والــهُــدى

     بقلم : صخر محمد حسين العزة 

لقد خلق الله عزَّ وجلْ الكون في ستة أيام فأبدع في خلقه ، ولم يُعجزه شيء في ذلك ابداً ، قال تعالى في سورة فاطر - الآية 44 : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } والله عزَّ وجلْ لم يخلق هذا الكون عبثاً ، بل سخَّرَ هذا الكون للإنسان ، وأنزله على الأرض ليعمره ويدير شؤونه ، وليتدبر في دقة وإتقان ما خلقه الله من مخلوقاته ، والله عزَّ وجلْ خلق الكون على عدة مراحل وفي أوقاتٍ مُتعددة ، وخلق كل مخلوقٍ في مراحل وأطوارٍ مُتعددة لتتجلى قُدرته وتظهر دلائل خلقه وتدبيره لخلقه ، وكانت الحكمة من هذا الخلق العبودية لله دون سواه ، قال تعالى في سورة الإسراء – الآية 44 : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } .

وكان من مخلوقات الله الأرض التي استخلف عليها آدم عليه السلام وذُريته من أجل إعمارها بعد أن أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها ، قال تعالى في سورة الأحزاب – الآية 72 : { إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا } وبدأت بذلك مسيرة البشرية في إعمارِ الأرض ، وأصبحَ الإنسان مُستخلفاً فيها من الله لإعمارها ، وأرسلَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى الرُسُل والأنبياء لهدايةِ البشر ، كُلُّ رسولٍ إلى قومه ، وكانَ أولهم سيِّدَنا نوح عليهِ السلام بعد سيّدَنا آدم ، حاملاً رسالة التوحيد لله وهادياً لقومه ، وتبعه العديد من الرُسُل والأنبياء كُلَّهُم يدعون إلى توحيد الله وهداية البشر إلى الطريق القويم ، وتتوالى الرسالات السماويَّة يحملها الأنبياء والرُسُل إلى أقوامهم ، إلى أن يأتي يوم 12 ربيع الأول من عام الفيل الموافق سنة 571 ميلادية ، لتحتفل الأرض وتبتهج ، وتتلألأُ السماءُ بضياءِ نجومها ؛ مُبشِّرةً بمولدِ خيرَ البشريَّةِ وسيِّدَها ، والتي فاضت أنوارُ مكة كُلَّها إبتهاجاً بمقدمه ، وفي يوم ميلادهِ المُبارك أهلكَ اللهُ أبرهة الأشرم وجنده الذينَ أتوا لهدم الكعبة ، فأرسل لهم طيوراً أبابيل أبادتهم ، قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } 

خلق الله عزَّ وجلْ الكون ، وخلقَ آدم أبو البشر عليهِ السلام ، ثُمَّ أنزلَهُ من الجنَّةٍ إلى الأرض بعد أن أغواهُ إبليس ، وبدأت بذلك مسيرة البشرية في إعمارِ الأرض ، وأصبحَ الإنسان مُستخلفاً فيها من الله لإعمارها ، وأرسلَ اللهُ سُبحانهُ وتعالى الرُسُل والأنبياء لهدايةِ البشر ، كُلُّ رسولٍ إلى قومه ، وكانَ أولهم سيِّدَنا نوح عليهِ السلام بعد سيّدَنا آدم ، حاملاً رسالة التوحيد لله وهادياً لقومه ، وتبعه العديد من الرُسُل والأنبياء كُلَّهُم يدعون إلى توحيد الله وهداية البشر إلى الطريق القويم ، وتتوالى الرسالات السماويَّة يحملها الأنبياء والرُسُل إلى أقوامهم ، إلى أن يأتي يوم 12 ربيع الأول من عام الفيل الموافق سنة 571 ميلادية ، لتحتفل الأرض وتبتهج ، وتتلألأُ السماءُ بضياءِ نجومها ؛ مُبشِّرةً بمولدِ خيرَ البشريَّةِ وسيِّدَها ، والتي فاضت أنوارُ مكة كُلَّها إبتهاجاً بمقدمه ، وفي يوم ميلادهِ المُبارك أهلكَ اللهُ أبرهة الأشرم وجنده الذينَ أتوا لهدم الكعبة ، فأرسل لهم طيوراً أبابيل أبادتهم ، قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } 

ومن مخلوقات الله في الكون التي سخرها الله للإنسان الشمس والقمر  ، من أجل خدمة الإنسان في حياته فمن إشراقة الشمس وغروبها ، وإلى بزوغ القمر وأفوله تكون دورة الحياة  ، وبهما تتعاقب الفصول الأربعة لتكون حكمة إلهية فيها مصالح عظيمةٍ للعباد ، وقد جعل فيهما النور والإضاءة ، ففي النهار تُشرق الشمس فيسعى الناس لتدبير مصالحهم وأمور عيشهم ، وفي الليل يبزغ القمر ، ويكون السكون ليقر الناس ويستريحوا ، ولتتجدد خلايا الجسد  ، قال تعالى في سورة الإسراء – الآية 12 :           { وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }.

ولكن كما الشمس والقمر نوران يسطعان لخدمة البشرية وتدبير حياتهم وتسهيل سُبل معيشتهم ، كان لا بُد من نورٍ آخر أن يسطع ليُنير عُقول وقلوب أبناء البشرية عامة ، وذلك تنفيذاً للحكمة الإلهية التي خلق الله البشر من أجلها وهي لعبادته وتعظيمه ، فكانت البشرية على موعد في الثاني عشر من شهر ربيع أول من عام الفيل بمولد نور أضاء أرجاء الجزيرة العربية ، وفي يوم مولده كان هلاك أبرهة الأشرم ومن أراد معه هدم الكعبة المشرفة ، فكان نوراً أتى ليُنير القلوب والعقول ، ونوراً تخرج به البشرية من ظلمة الجاهلية والضلال إلى أنوار الهداية والخير والصلاح ، وقد تكرمت مكة بهذا المولود العظيم ، فارتجت الأرض والسماء بمولده أنه النور الساطع البهي وخير من أنجبت البشرية إنه رسول الله سيدنا محمد صلى الله وسلم خاتم الأنبياء والرُسُل ، قال تعالى في سورة الأحزاب – الاية 40 : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ، فكان ميلاده إرهاصات لمولد أُمةٍ بأكملها ، ومولد الحق والنور الذي سيعم البشرية ، وقد شرَّف العرب بأن يكون الرسول منهم وكرَّمَ  الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن خصه بإسمين من أسماء الله الحُسنى – الرؤوف ، الرحيم – قال تعالى في سورة التوبة – الآية 128 : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }

في مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلت عظمة الله بمعجزاتٍ عظيمة تدُل على أن هذا المولود إنَّهُ النور الهادي والمبعوثُ رحمةً للناس ، ومن المعجزات التي تدلُّ على مكانته العلية التي رافقت ولادته ما قبل وما بعد ، نورد الآتي :

دلالات قبل ولادته : 

أولاً : إسم والده عبدالله : من حفظ الله لنبيهِ قبل ولادته ، أن اختار إسم والده عبدالله ، فكل أبناء عبدالمطلب العشرة لا يوجد أحدٌ فيهم إسمه مقرونٌ بإسم الله عزَّ وجلْ ، إلا والد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان والده أقرب إخوته إلى الله ، وكيف لا يكون كذلك ومن صُلبه سيولد خير البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وتوفي والده قبل أن يراه

ثانياً : تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بمحمد : عندما حملت السيدة آمنة أم رسول الله به ، أتاها هاتفٌ هتف بأذنها قائلاً : [ يا آمنة قد حملت بسيد هذه الأُمة ونبيها ، فإذا ولدتِ فسميه ( محمد ) ] فأخبرت جده بذلك 

ثالثاً : رؤيا جد الرسول عبدالمطلب : رأى عبدالمطلب في منامه سلسلة من فضة خرجت من ظهره حتى صعدت للسماء ، ثم رجعت إلى شجرةٍ خضراء لها غُصونٍ وظل ، فجاء جميع الخلق وتعلقوا بها 

رابعاً : نبوءة حبر اليهود : طلب أحد أحبار اليهود من عبدالمطلب جد النبي أن يتفحص إبنه عبدالله ، فلما نظر وتفحصه أخبره قائلاً :  أشهد أنك تحملُ بين يديك –ملكاً ونبوة- ، وأنه سيخرج من صلبك مولودٌ يكون له شأنٌ عظيم في الأرض والسماء ، وسيكون في آخر الزمان فخراً للعرب كلهم.

خامساً :حملُ السيدة آمنة بسيد البشرية :  لم تجد السيدة آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء حملها به بأي تعبٍ أو إرهاق أو دوخة تشعر بها كباقي النساء ، وإنها عندما كانت تذهب لشرب الماء من البئر يرتفع الماء إلى الأعلى ، وعندما تنتهي يعود إلى موضعه وكل ذلك ببركة حملها برسول الله صلى الله عليه وسلم 

سادساً : حادثة الفيل : قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت حادثة أصحاب الفيل ، وهذه الحادثة بمثابة لفت أنظار العالم كله لهذا المكان الذي سيولد فيه سيد الخلق وإمام المرسلين ، وقد حمى الله بيته الحرام إستعداداً لإستقبال النور النبوي المحمدي صلى الله عليه وسلم

معجزات حين ولادته : 

أولاً : النور الساطع : نور ساطع أضاء الجزيرة العربية ، وهذا دليلٌ أنه نورٌ وهدى للعالمين 

ثانياً : الطهارة والنقاء : وُلِدَ النبي صلى الله عليه وسلم مختوناً مقطوع الحبل السُري من السرة ، وهذا دليلٌ على طهارته ونقائه

ثالثاً : السجود في المهد : عدنما نزل وهو رضيع ، سجد ساجداً وكأنه يعبد ربه 

رابعاً : سيد البشرية : سمعت والدته السيدة آمنة صوتاً يُخبرها بأنها قد ولدت سيد البشرية

خامساً : ليلة الميلاد : في ليلة ميلاده ، رُميت الشياطين بالنجوم ، وسقطت كُلَّ الأصنام على وجهها

، وإرْتّجَّ إيوانُ كِسرى وسقطت منه أربعَ عشرة شُرفةٍ من شُرفاته ، وخمدت نيران المجوس ، وانهدمت الكنائس حول بُحيرةِ ساوى بعد أن غاضت ، وفاض وادي السماوة ، وغير ذلك كثير من إشاراتٍ ودلائلَ على مولد نور الهدى وسيِّد البشر ، وهذا دليلٌ على انتهاء عصر الجاهلية ، وبداية عصر النور والإيمان ، عهدٌ جديد من الرحمة والعدالة والتوحيد وعبودية إلهٍ واحد لا شريك له ، وانتهاء الظُلم والجهل ، وكانَ مولدهُ نُقطةَ تحوُّلً في تاريخِ البشريَّةِ جمعاء .

سادساً : ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم : عند ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول أمه السيدة آمنة : [ سمعت جلبة عظيمة مثل شيء وقع على الأرض وأصدر صوتاً عظيما ، ثم تبعه صوتٌ أكبر من الذي قبله فزاد خوفي ، ثم رايت نوراً في المكان خرج منه كجناحٍ أبيض ، ورأيت كأن رجالاً قد وقفوا في الهواء وبأيديهم أباريق من فضة ، فأخذني المخاض ، فخرج مني نورٌ أضاء قصور الشام ، فكشف الله عن بصري فرأيت مشارق الأرض ومغاربها ] وتقول قابلتها شفاء وهي صحابية أم الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما : [ نزل محمد صلى الله عليه وسلم من أمه لا كما ينزل باقي الصبية ، فقد نزل معتمداً على رُكبتيه وكفيه ساجداً ينظر بطرف عينه للسماء كالمتضرع ، ونظرت إلى وجهه فإذا به كالقمر ليلة البدر يتلألأ نوراً ، وريحه كريح المسك يفوح منه ]  وأرادت أن تقطع الحبل السُري من السرة وتنظفه فوجدته مقطوعاً ومختوناً ومُطهراً طهور الأطفال ونظيفاً ، ومطيباً بالمسك ومكحل العيون ، وقد قالت أُم عُثمان بنتُ أبي العاص التي حضرت ولادةُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : ( رأيتُ البيتَ حينَ وُضِع قد أمتلأَ نوراً والنجومُ تدنو ، حتَّى ظننتُها أنها ستقعُ عليْ ) .

وفي الختام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه : ( إني دعوة أبي إبراهيم وبشارة أخي عيسى ، ورؤيا أُمي حين رأت أن نوراً خرج منها أضاءت له بصرى من أرض الشام )

 بولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشرَّف الكون بولادته ، وسُمي محمداً لكي يحمده من في السماء، ويحمده الناس في الأرض، وقد ولِد يتيماً لحكمةٍ إلهية حتى لا يقول أهل الشرك والكفر ان الإسلام قد استقر وانتشر بفضل عشيرته وأهله ، أو أن أباه أو جده أو عمه قد نصروه ودعموه فانتشر الإسلام بدعمهم، فإرادة الله أن يكون الفضل كلهُ له، وليكون مؤهلاً لتحمل مسؤولية الدعوة لجميع البشر، ويتمهِ وفقرهِ جعله يكتسب صفاتاً لا يتصف بها لو لم يكن يتيماً كسعة الصدر واهتمامه برعيته وحمايتهم ، وبصفاته الحميدة ابتعد عن عبادة الأصنام وعن كل المحرمات، وقال تعالى عنه في سورة - الآية :{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(6)وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى(7)وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى(8)} .

عاش سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام يتيماً فقد تُوفيَ والده عبدالله وهو لا يزالُ جنيناً في بطنِ أُمه وتُوفيت أُمه آمنة وهو ما زال في السادسة من عُمره ، فانتقلت رعايتهِ إلى جدهِ عبدالمُطَّلِب حتى الثامنةَ من عُمره ليتكفَّلَ برعايته عمهُ أبو طالب ، وقد اتصف رسول الله  صلى الله عليه وسلَّم بكُلِّ الصفات المحمودة مُنذُ صغره ، ولُقِّب بالصادقِ الأمين في ظِلِّ أجواءٍ تعُجُّ بالجهل والوثنيَّةِ والرذيلة ، ولكن رُغم كُلِّ ذلك فقد كانَ بعيداً عن كُلِّ هذه الأجواء ، ومنَزَّهاً عنها تمهيداً لهبوط الوحي عليه ، ليحملَ أعظم رسالةٍ في تاريخ البشريَّة ؛ رسالةِ الإسلام ، وليكون القُرآن الكريم ناسخاً لكُلِّ ما سبقهُ من أديان ، ويكونُ رسولنا الكريم عليه صلوات اللهِ وسلامه خاتم الرُسُل والأنبياء ومُرسَلاً للناسِ كافَّةً ،و قد أنزله على أُمةِ العرب ، ليكونوا خيرَ أُمَّةٍ أُخرِجت للناس ، قال تعالى في سورة آل عمران – الآية 110 : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من أشرف العربِ نسباً وأعزَّهم مكانةً ، فأرسلهُ لهم هادياً وناصحاً ، وتكبَّد المشقَّة والعناء ليُخرِجهم من الظُلمةِ إلى النور ومن عُبوديَّة الأوثان إلى عبوديَّةِ الله الواحد الأحد ، قال تعالى في سورة التوبة – الاية 128 : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ  رَّحِيمٌ } وفي هذه الآيه الكريمة رسالة إلى أُمة العرب بأنَّ هذا الرسول أتى منكم ومن جنسِكم ومن نسبكم وعربيٌ مِثلِكم ، ومن واجبكم الإيمان برسالته وطاعته وقد أتى إليكم رؤوفاً رحيماً بكم ويخافُ عليكم سوء العاقبة ، وبهِ وُلِد للكون عهدٌ جديد، وبمبعثه بُعثت أمة من أُميّ صنع أُمة إمتازت بالعلم والحضارة والرحمة والكرامة والعزة والريادة ، وتفوقت على جميع الأُمم وتفوقت على الإنسانية كلها في جميع المجالات، وقد وضع دُستوراً وهو أول دستورٍ مدني مكتوب في العالم هو صفحة المدينة أو العهدة المحمدية ، واعتبره أغلب المؤرخين والمستشرقين مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية الذي تم كتابته فور وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وهذا الدستور هو عهد وميثاق وقانون وحقوق وعدالة اجتماعية نص على أن الناس أُمة واحدة للمساواة بين جميع الأطراف في المواطنة، وبين علاقة الراعي بالرعية ، وفيه الصياغة البليغة للعلاقات الدولية بين مختلف الطبقات الاجتماعية  بمختلف عقائدها وأصولها وإلى غير ذلك الكثير من النصوص التي تنظم علاقة المجتمع الإسلامي الجديد في داخله أو في محيطه الخارجي .

فالإحتفال بيوم مولد خير البشرية والإيمانُ برسالته هو أمرٌ مقطوعٌ بمشروعيته لأنَّهُ أصلُ الأصول ودعامتها الأولى ، وقال تعالى في سورة التوبة – الآية 24 : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

نأمل من أُمتنا العربية والإسلامية أن تعود إلى نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم وإلى قُرآننا الكريم ، وأن تتوحد على كلمةٍ واحدة ، لتعود كما كانت في سابق عهدها ، فبديننا وعدالته وبرسالته السامية سُدنا العالم ، وعلينا في هذه الذكرى العطرة ، التي نزداد فيها شرفاً وعزةً وكرامة نتمنى على الأمة الإسلامية أن تعود موحدة خلف قائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع دستوره الذي وضع فيه أساس أركان دولة الإسلام وبه  كانت رسالة الإسلام رسالة المحبة والسلام - رسالة الإسلام التي هي أعظم رسالة في تاريخ البشرية وقد سارت عليها  دول الإسلام اللاحقة ، فلن يكون لنا قوة ومنعة كسابق عهدنا وماضينا إلا بعودتنا إلى دستورنا الإسلامي الذي وضعه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، حتى نخرج مما نحن فيه من هوان ، لنعود أعزة أقوياء كماضينا المجيد الذي سطرنا فيه أعظم صفحات المجد ، وأن تكون لنا نِبراساً في سبيل نبذ الفُرقةِ والخِلافِ والتشرذُم ، وداعين إلى الحكمة والتسامُح والتآلُف والتعاون سبيلاً لتحقيق وحدة الأُمة ومواجهة الأخطار والتحديات ، ولا يكون ذلك إلا باتباع نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم الذي يعتزٌ بها كُلِّ مُسلم ، وعلى الله فليتوكل المتوكلون 

 فمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة، فهو النور الهادي والمصباح المنير الذي أضاء الكون ، ولله درُّ أمير الشعراء أحمد شوقي فقد أبدع في وصف مولد رسول الله صلى الله عليه ، ونقتبس من قصيدته بعض الأبيات :

                  ولِد الهُدَى فالكائنات ضياءُ                 وفمُ الزمان تبسمٌ وثناءُ

                  الروح والملأُ الملائكُ حولهُ                للدينِ والدُنيا به بُشراءُ

                        ***********************************

                 يا خيرَ من جاء الوجود تحيةً              من مُرسلين إلى الهُدَى بك جاؤوا

                 بيتُ النبيينَ الذي لا يلتقي                  إلا الحنائفَ فيهِ والحُنفاءُ

                      ****************************************

              بك بشّرَ الله السماءُ فزُينت                        وتضوعت مسكاً بكَ الغبراءُ

             وبدا مُحياكَ الذي قسماتهُ                          حقٌّ وغُرتُهُ هُدىً وحياءُ

             وعليهِ من نورِ النُبوة رونقٌ                       ومن الخليل وهديه سيماءُ


المراجع : 

1 – السيرة النبوية 

2 –  حقوق الإنسان في القانون الإسلامي / ماجد الشناق 

عن : الدولة الحرة مطلب قرآني –المهندس عدنان الرفاعي

صخر محمد حسين العزة 

عمان – الأردن 

16/9/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي