الموازين المقلوبة... صخر العزة

 الموازين المقلوبة

عندما ينظر المرء إلى المرآة المقعرة أو المحدبة سيرى نفسه عكس حقيقته إما الصورة مقلوبة أو أكبر من حقيقتها وهي صورة إفتراضية تتكون من سقوط إشعاعٍ وانعكاسه في المرآة وتجمع في بؤرة لتتشكل الصورة الإفتراضية وهذا حسب قانون الإنعكاس

ما أود قوله أن ما تعيشه أمتنا من واقعٍ مِذلٍ ومخزٍ كما هي الصورة الإفتراضية في المرآة، صورةٍ مشوهة إنقلبت فيها الموازين وتبدلت الأحوال، ففقدنا فيها هويتنا، وأصبحنا كالتائه في الصحراء يركض خلف سراب كما قال تعالى في سورة النور الآية ٣٨: { يحسبه الظمآن ماءً} دخلنا في الصورة الإفتراضية للمرآة بغير حقيقتها بانعكاس الإشعاعات التي كونت الشكل والواقع الذي نحن فيه، وما هذه الإشعاعات التي تحرقُ كل قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ما هي إلا أمريكا ومن تبعها من دول الشر الذين لا يريدون لهذه الأمة النهوض من غفوتها ورقادها الطويل . 

إن ما نراه من تردٍ في كل مناحي حياتنا من سقوط ما هو إلا لأننا تخلينا عن قيمنا وأخلاقنا وديننا فنرى نفاق العلماء لسلاطينهم الذين اعتلوا سدة الحكم  بانتخابات صورية، وما هم إلا بيادق محركة في يد الغرب، ولهذا فهم يُنفذون أجندات موضوعة لهم عليهم تنفيذها حتى لو كانت تتنافى مع مصلحة شعوبهم وبلدانهم، وكل ذلك أدى إلى ظهور طبقة المطبلين والمزمرين والذين قلبوا الموازين حسب مصالحهم فأصبح الخائن شريفاً والشريف خائناً، والظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، وسبب ذلك كله تحكمه المادة والمصالح الآنية فتنكروا لقضاياهم المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي هي قضية كل عربي ومسلم حُر ، وصدق رسول الله عندما قال توصيفاً لما آل بنا الحال ، وكأنه يعيش بيننا إذ قال عن أنس بن مالك ، وأبو هريرة  : ( سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ . قِيلَ : وما الرُّويْبِضةُ ؟ قال : الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامة ) وهذا ما نحن فيه الآن . 

إن ما نراه الآن مما يحدث في قطاع غزة خاصة وفي الضفة الغربية بعد عملية طوفان الأقصى التي أسقطت أسطورة جيش الإحتلال الصهيوني وعرّت هذا الكيان المختلق وأظهرته على حقيقته وصورته القبيحة بما يرتكبه من مجازر وعمليات إبادة جماعية للمدنيين العُزل من أطفالٍ ونساءٍ وشيوخ، فهبت شعوب العالم منددة بما يحصل من جرائم وبمشاركة دولها وعلى رأسها أمريكا راعية الإرهاب وحلفائها بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية التابعين لهم ، وقد كانت هذه الشعوب مغيبة ومخدوعة من حكامها عن واقع هذا الكيان المسخ ، ولكن ما يؤلمنا كأمة عربية وإسلامية أن نرى تخاذل شعوب أمتنا العربية التي لا ترتقي إلى مستوى الحدث ، فالمظاهرات والمسيرات ومقاطعة منتجات الشركات التي تدعم الإحتلال نجدها تتراوح بين الفتور والقوة مقارنة بما يحدث في الغرب الذين لم تتوقف عندهم حملات التنديد والمسيرات التي تطالب بوقف إطلاق النار وحملات الإبادة الجماعية، ونتفاجأ كيف أن أحراراً في العالم وليسوا من أبناء أمتنا وليسوا من ديننا ولا يمتون بصلة لقيمنا وأخلاقنا يدافعون بشراسة عن قضيتنا ومثالٍ على ذلك الطيار الإمريكي من سلاح الطيران ( أرون بوشنل )  الذي أحرق نفسه أمام سفارة الكيان الإسرائيلي  إحتجاجاً على دولته لمشاركتها في دعم الإحتلال الصهيوني ومشاركتها في حملة الإبادة الجماعية ، وقد كان يهتف الحُرية لفلسطين والنار مشتعلةً فيه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ، وسبقه بذلك شخصٌ آخر أحرق نفسه لنفس السبب، وغير ذلك الكثير - الكثير من مظاهر التأييد للقضية، وبالمقابل نجد إخوة الدم والدين يتنكرون للقضية ويقولون هذه ليست قضيتي بل يتعدى ذلك بالتعدي على الشرفاء ،  ومنهم من تجاوز ذلك بدعم هذا الإحتلال البغيض بأشكال متعددة ، ولهذا أقول أن حذاء هذا الطيار الذي أحرق نفسه لأشرف الف مرة من هؤلاء الذين يقولون فلسطين ليست قضيتي ، وهم صدقوا بذلك لأن قضية فلسطين تخص الشرفاء والأحرار ، وليس الساقطين الذين باعوا أنفسهم بثمن بخس لمجرمي العصر ومصاصي دماء الشعوب ،  وبالنسبة للدول العربية والإسلامية  نرى التواطؤ والخذلان والصمت المُطبق إلا من بعض التنديدات واستنكارات هزيلة ، فهل أصبحت دماؤنا ماءاً وهل تناسينا أننا إخوة في الدين والعروبة تجمعنا التقاليد والقيم والعادات والمصير الواحد ؟!!!

وختاماً أقول أن حالة قلب الموازين ، موازين الحق التي يقلبها أهل الباطل بكل خبث ، وعند ذلك يصبح كل شيء معكوس تماماً ، الطيب خبيث والخبيث طيب ، الأمين خائن والخائن أمين ، التقيُّ فاسد والفاسدُ تقيّ ، الصادق كاذب والكاذب صادق، الجلاد ضحية والضحية جلاد، العادل ظالم والظالم عادل، العاقل سفيه والسفيه عاقل ، فأقول لبعض هؤلاء الذين تبدلت أحوالهم من شعوبٍ وحكاما ، علينا أن نعود للتاريخ ونأخذ منه العِبر وأن الأيام لا تستقر على حال ، قال تعالى في سورة آل عمران – الآية 140 : {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }  فكونوا نصيراً لإخوتكم في الدم من أبناء فلسطين المجاهدين الذين يذودون بأرواحهم دفاعاً عن شرف الأمة بأكملها ، وأن النصر سيكون حليف المجاهدين المؤمنين رُغم التخاذل والنكران وإن ضعُفت عُدتهم ، وإن الباطل ممحوق وإن استشرى الباطل ،وإن الدين الحنيف هو مصدر الإلهام وإن كره الكافرون ، وإن الله مع المجاهدين الأطهار لأنهم معه متوكلين عليه ، فالله ناصرهم ، قال تعالى في سورة محمد – الآية 7 : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }  


صخر محمد حسين العزة 

عمان – الأردن

28/2/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي