مقال.. استعمار الخوف... رياض العزة

 الإيمان واستعمار الخوف

             (  مقال )

     بقلمي : الشاعر رياض العزة

                 _________

ألا تعلمون أن هناك استعمارا قويا هو استعمار الخوف  ؟!  نعم ؛ فالخوف إستعمار _ وأي استعمار _ !! 

يرجع علماء النفس الخوف إلى دوافع غريزية تتحرك تلقائيا حينما يحس الإنسان بخطر ما يحدق به ؛ وعلى الفور يستجيب الجهاز العصبي لهذه الدوافع ؛ فيسرع الإنسان مبتعدا عن مكمن الخطر _ يبتعد عن النار خشية الإحتراق ؛ ويبتعد عن الماء خشية الغرق....

  هذه نظرية علمية لا أنكرها ؛ ولكني أود أن أقول أن الخوف ما هو إلا شكل من أشكال الإستعمار ؛ وهو بحد ذاته قديم جديد ؛ وأستطيع القول والإثبات بأنه ناتج عن ضعف الإيمان بالله والقدر المفروض من قبله والغير مرفوض من قبلنا ؛ والدليل على ذلك ما نلمسه بجلاء في إقبال المؤمن على الجهاد بدون تردد ولا خوف ؛ وذلك لاقتناعه بحتمية الأجل ؛ ولأن الإنسان المؤمن بمبدئه يقدم على التضحية بطيبة نفس ورباطة جأش ؛ لذلك تراه يحقق النصر ولو طال الأمد ؛ بينما نلاحظ نقيض ذلك عند من يقاتل وهو غير مقتنع بما يفعل .

   بعضنا قد يخفق في امتحان الإيمان والإرادة ؛ فيخاف من الموت فيحجم عن القتال وينسى قوله سبحانه ( وإذا جاء أجلكم لا تستقدمون ساعة ولا تستأخرون) ولا مناص من الأجل حتى لو كنا في بروج مشيدة ؛ وقد قال الشاعر : 

من لم يمت بالسيف مات بغيره

تنوعت الأسباب والموت واحد

أنظروا إلى شاعر الخوارج المقدام قطري بن الفجاءة حين خاطب نفسه إبان المعركة قائلا :

أقول لها وقد طارت شعاعا

             من الأبطال ويحك لن تراعي

فإنك لو سألت بقاء يوم

              على الأجل الذي لك لن تطاعي

فصبرا في مجال الموت صبرا

                  فما نيل الخلود بمستطاع

  ______________

نعم هذه حقيقة حتمية ولا بد منها ؛ لأن المرء يستطيع الطلب من حكومة ما تمديد فترة إقامته في أراضيها ؛ ولكنه لا يستطيع ذلك مع القانون الإلهي ؛ لأن وجود كل منا في هذا الكون وجود مؤقت ؛ ولكل إنسان في هذه الحياة دوره المنوط به لإتمام منظومتها ؛ ولا بد لهذا الدور من نهاية.. إذن فلا داع للخوف من الموت ولا مبرر له _ كذلك يخاف الموظف من مسؤول دائرته فتراه يتملق له خشية فقدانه الوظيفة في سورة غضبه منه وعدم رضائه عنه ؛ وكأن هذا المسؤول أو صاحب العمل هو قابض الأرزاق ومطلقها ؛ وليس الله.

     تخافون انقطاع الرزق ؛ ورزقكم في السماء وما توعدون.. نخاف من كل شيء _ نخاف من الموت ونخاف من الحقيقة ونخاف من السلطة... وقد نخاف من أنفسنا على أنفسنا !! 

     هذا هو استعمار الخوف يستبد بنا ويعسكر في نفوسنا ؛ ولا بد الإستقلال والتحرر من ربقته

؛ وسلاحنا الوحيد لمجابهته هو الإيمان _ الإيمان بالله وقدره خيره وشره ؛ وهنا لا أعني بذلك رد كل شيء للقدر ؛ إذ لا يصح أن نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ونقول:  ما ذنبنا نحن !! هكذا شاء القدر .

           ____________________

                              الشاعر رياض العزة

                              الأردن _ 27/2/2024

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي