الذكرى العظيمة... صخر العزة

 الــذِكرى الــعــظــيــمــة والــمســرى الأســيــر

في تاريخنا الإسلامي تمُرُّ علينا في وقتنا الحاضر مُناسباتٍ مُختلفة من أعياد وذكرياتٍ عزيزةً علينا تنقُلُ لنا فيها أحداثٍ منها ما هو دروسٌ وتوجيهات لنا من عبادات وتشريعاتٍ في ديننا الحنيف ، ومنها ما غيرت مجرى تاريخ الأُمة جمعاء ، ومنها ما يدُلُّ على عظمة هذا الدين الذي أرسى قواعده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم ، ولكن تبقى فرحتنا واحتفالاتنا منقوصة في استقبال هذه المُناسبات لما تُعانية الأُمة من ضعفٍ وهوانٍ وتشرذم وسبب ذلك كُله ابتعادنا عن ديننا وما شرعه الله لنا ، ولهذا نرى كيف أنَّ الغرب يتحكم في مصائر هذه الأمة ، ونرى كيف مُقدساتنا تُنتهك وتُستباح من قِبل أبغض احتلالٍ على وجه الأرض – الإحتلال الصهيوني الذي لا يزال يحتل أرض فلسطين أرض المُقدسات وأرض الأنبياء وأرض اللبن والعسل منذ خمسٌ وسبعين عاماً ، واحتلاله للقدس التي فيها الأقصى الشريف مسرى رسول الله منذ ستٌ وخمسين عاماً ، وتأتي ذكرى الإسراء والمعراج التي تُصادف في السابع والعشرين من رجب من كل عام والتي تُذكرنا بعظمة هذا الحدث ، وحادثة الإسراء والمعراج معروفة لكُل مُسلمٍ على وجه الأرض ، ولا أُريد أن أخوض في تفاصيلها كثيراً لأنها معروفة لنا كمُسلمين، ولكن أوجز مُلخصها ، حيثُ إنَّ الله عزَّ وجلْ أرسل إلى رسولنا الكريم جبريل عليه السلام ومعهُ دابة البُراق لينقلهُ على ظهرها من البيت الحرام في مكة إلى المسجد الأقصى في القُدس في فلسطين ، ومن ثَمَّ عُروجه عليه السلام إلى السماوات العُلى ، وكان في تنقُّلهِ بين السماوات السبع يلتقي بأنبياء الله الذين سبقوه – من آدم إلى يحيى وزكريا وعيسى وإدريس وهارون وإبراهيم وموسى عليهم السلام جميعاً ، وفي هذه الرحلة العظيمة فُرضت  الصلوات الخمس وكُل صلاة تعدل عشر صلوات ، وفي الأقصى صلى رسول الله بالأنبياء إماماً ، وذلك بتوجيهٍ من الله ودلالة على أنَّهُ خاتم الأنبياء وصاحبُ الدين الحق ، وأن جميع الأنبياء كانوا يحملون رسالة الإسلام .

وأود أن أنوه إنَّ البعض يُشكك في تاريخ حدوثها في السابع والعشرين من رجب ومتى الوقت الذي حدثت فيه حادثة الإسراء والمعراج غير مُحدد بالضبط ، ويقولون إنَّ الإحتفال بها بِدعة ، ولكن ما أقوله بغضِّ النظر عما يقول هؤلاء ممن يُسمون أنفسهم عُلماء وكُلِّ منهم يُفتي على هواه  وليس عن هذه الذكرى فقط  بل  وعن كثيرٍ من المناسبات الدينية التي نعتزُّ بها مثل ذكرى الهجرة النبوية وذكرى مولد رسول الله وغير ذلك من مناسباتٍ أُخرى ، ولكن إحياء هذه الذكرى يبقى مُهماً جداً لكي يبقى الرابط الكبير والصلة التي لا بُدَّ منها للتذكير بأهمية الإسراء والمعراج ، وأهمية المسجد الأقصى الشريف الذي يواجه أعتى هجمةٍ عليه في تاريخه من قِبل هؤلاء الصهاينة المُحتلين ، ونرى ما يواجهه أبناء فلسطين عامة ، وابناء القُدس خاصة المرابطون للذود عنه ويدافعون عنه بصدورهم العارية أمام آلة القتل الصهيونية ويتعرضون للقتل والإبعاد وتدمير منازلهم وذلك من أجل إرهابهم وتفريغ القدس وما حول الأقصى من أهله لكي يُنفذوا مُخططاتهم الدنيئة لهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم ، والذي زاد هذا التغول الصهيوني الصمت العربي المُطبق وانكباب بعض الأنظمة على التطبيع الذي أعطى هذا العدو قوةً ودعماً له في تنفيذ مُخططاته وزاد تنكيلاً بهذا الشعب المُرابط والصامد والذي يُدافع عن كرامة أُمةٍ بأكملها ، وكيف نرى بعض من ينسبون أنفسهم لأمة العرب ومشكوكٌ في نسبهم وانتمائهم لهذه الأمة ولهذا الدين العظيم ، فمنهم من يُنكر حادثة الإسراء والمعراج ويطعن بها ونقول لهؤلاء عن معجزة الإسراء إنها ثابتةٌ بنص القُرآن والحديث الصحيح ، فيجب الإيمان بأن الله أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ، وقد اجمع أهل الحق من سلفٍ وخلف ومحدثين ومفسرين وفُقهاء على إنَّ الإسراء كان بالجسد وفي اليقظة وهذا هو الحق الذي يُنكرونه  ، وينكرون عدم حدوث الإسراء في المسجد الأقصى ، وأنَّ المسجد الأقصى ليس في فلسطين وأنه مسجدٌ كمثل أي مسجد آخر ، وأن مسجداً في أوغندا لأقدس منه  ، وأود أن أُنعِش ذاكرة هؤلاء بآيات من القُرآن الكريم وبأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأحداثٍ ومعارك إسلامية عظيمة حصلت على أرض فلسطين الطهور التي تضمخت بدماء شهداء الصحابة الأبرار ومن تبعهم من شهداء الأمة الإسلامية  ، قال تعالى في سورة الإسراء – الآية 1 : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } وقال تعالى في سورة المائدة – الآية 21 :{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ } وقال أيضاً عزَّ جلالُه في سورة البقرة – الآية 259 : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } والمقصود في القرية في هذه الآية الكريمة بيت المقدس بعد تخريب الملك بختنصر لها وقتل أهلها ،  وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابي هُريرة رضي الله عنه : ( لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثةُ مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ) ونسوا أنه أولى القبلتين ،  وأنه ثاني مسجد بُني على وجه الأرض بعد المسجد الحرام ، وقد روى البُخاري عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه قال :  ( قُلت يا رسول الله أيُّ مسجدٍ وضُع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام ، قال ثُمَّ أي ، قال : المسجد الأقصى ، قُلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة ، ثُمَّ أينما أدركت الصلاة فصلِّ ، والأرض كلها مسجد ) ونذكر هؤلاء أيضاً بأن القُدس أرض المحشر والمنشر ، فعن ميمونة مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ) : يَا نَبِيَّ اللهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: أَرْضُ الْمَنْشَرِ، وَالْمَحْشَرِ، ائتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ، أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ: فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ، فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيه. ورواه ابن ماجه، والطبراني في الكبير ) وقال أيضاً إبن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أراد أن ينظر إلى بُقعة في الجنة فلينظر إلى بيت المقدس ) ونذكر هؤلاء المتصهينون بالمعارك الإسلامية التي بذل الصحابة رضوان الله عليهم ، والمسلمون من بعدهم دماءهم وأموالهم في سبيل القدس الشريف ومسرى الرسول ، ففي غور الأردن دُفن أكثر من عشرين ألف صحابي ، لا تزالُ جثامينهم شاهدةً على ذلك ، ثم استمرت المعارك الدامية فيما بعد ، فنستذكر معركة اليرموك والقائد الخالد – سيف الله المسلول خالد بن الوليد ومعركة حطين- القائد المنصور صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين وعين جالوت بقيادة القائد العظيم سيف الدين قطز ، ومعارك وثورات المجاهدين  الفلسطينيين من ثورة حائط البُراق عام 1929م وثورة القسام في عام 1936م وما تبعها من ثورات حتى الآن ومعارك الجيش الأردني في  اللطرون وجبل المكبر ، ولن ننسى العهدة العمرية من عمر بن الخطاب لأهل القدس وأمن المسيحيين  على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم واستلم منهم مفاتيح القدس ، وغيرُ ذلك الكثير ، وبعد كل هذه الإستشهادات فما رأيكم أُيها المُطبعون ويا أُيها الساقطون المُتهافتون لُنصرة عدوكم؟!!!!. ، ولا يزال الشباب الفلسطيني يُقدم أروع نماذج الفداء والتضحية ، ولا تزال أُمتنا في سكون وسُبات ، فهؤلاء الشباب هم جيل التحرير الذين وضعوا نُصب أعينهم إما النصر ، وإما الشهادة ، فلن يضيرهم التطبيع ولا صلف العدو الصهيوني ولا مستوطنيه ، وهؤلاء هم من ذكرهم رسول الله في حديثه إذ قال عن عبد الله بن الإمام أحمد- أخرجه الطبراني: ( وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" ) 

ختاماً أود التذكير أنه يفصلنا عن رمضان المبارك أيامٌ معدودة ، وفي هذا الشهر الفضيل يتصادف بعض أعياد اليهود ، وسيحاولون في هذه الأعياد تدنيس المسجد الأقصى ببعض أعمالهم ، وتقوم جماعات الهيكل بالإستعداد لتقديم ( قُربان الفصح ) في داخل المسجد الأقصى ، حيث ينثروا دم هذا القُربان عند باب السلسلة ، ومن أعيادهم الأخرى عيد العرش ، وعيد الأسابيع وعيد الفصح العبري ويهدف المستوطنون في هذا الشهر أداء أكثر ما يمكن من الطقوس التوراتية في الأقصى، وتشمل: إدخال الفطير، وقراءة قصة الخروج من مصر من التوراة، والدخول إلى الأقصى بلباس الكهنة وتقديم القربان الحيواني بذبح حمل صغير في باحاته، ونثر دمه تحت قبة السلسلة أو في محيطها  فسؤالي لأمة الإسلام : إلى متى صمتكم ، وتخاذلكم عن نُصرة أبناء فلسطين ونصرة مسراكم الذي يُدنسُ كل يوم أمام مرأى أعينكم ؟!! ، ولولا وقفة أبناء فلسطين ، والمرابطين والمرابطات من شيبٍ وشبان ونساءٍ وأطفال ، لهُدم الأقصى وتم تنفيذ مُخططاتهم وبناء هيكلهم المزعوم . 

ورسالتي إلى أمة الإسلام بكل فئاتها أن تهُبَّ لحماية الأقصى ومناصرة هذا الشعب العظيم الذي يحفظ كرامة أمته ، ولن يتحرر الأقصى من دنس اليهود وإرهابه وغطرسته إلا بشباب الأمة الواعي المتشوق والمتوقد لنصرة دينه ونصرة أقصاه ، فلا أمل في المطبعين والمنبطحين للعدو الصهيوني ، ولم نجد منهم إلا الخذلان ، ورسالتي إلى المجاهدين الأبطال في كل فصائل المقاومة كونوا يداً واحدة وتناسوا خلافاتكم ووحدوا صفوفكم في وجه هذا العدو الخسيس فالأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسول الله يستصرخكم ، ولا نصير له إلا أنتم والشرفاء من أمتكم ، وإنكم لغالبون بإذن الله ، وفي هذه الذكرى العطرة  أستذكر أبياتاً للشاعر فؤاد شحادة : 

   يا قدس حياكِ ربُّ العرش والفلق                 والحمدُ لله عند الصبح والغسقِ          

        قلها وصلِّ ولا تبخلْ بقولتها                       على النبيِّ عظيمِ الخَلق والخُلق

        ويومَ أضحى وحيداً لا نصيرَ له                    إلاكَ ربي.. وقد عانى من الرهقِ

        سيَّرتَ والناسُ غرقى في سباتهمُ                  براقَ يُمنٍ وقلتَ احمله وانطلقِ

        ما بين طرفة عينٍ وانتباهتها                       إلا وأحمدُ والأحباب في نسَقِ

        فأمَّ في الرُّسْلِ إذ هُمْ يقتدون به                    بخاتم الرسْلِ نفح المِسكِ والعَبقِ 

        والقدسُ صاحتْ، ألا أهلا بزائرنا                   أما تعبتَ حبيبَ الله في الطرقِ؟

        إني لأعجبُ يا رباهُ كيف أتى                       من أرضِ مكةَ نبع النور والألقِ

        لا تعجبنَّ فأولى القبلتين لها                        جلُّ المقام كشمس الكونِ في الأفقِ

        وبعدها عرج المختار في صعدٍ                    يمرُّ من طبق دنيا إلى طبقِ

        هذي هي القدس، يا أقزامَ أمتنا                   يحميكِ ربي من الطوفان والغرقِ

        القدس عذراؤكم فُضَّت بكارتُها                   في ليلةِ السبت من علجٍ بلا خُلق

        كم استغاثت وكم صاحت مولولةً                 قبل السقوطِ وبات الدمع في الحدقِ

أختاه ياقدسُ لا تبكي بل ارتقبي                  أن تطهري اليوم من دودٍ ومن عَلَقِ         

        الله يرعاكِ لا تبكي بل اصطبري                   يا قدسُ مهلا بريق النصر في الأفقِ

صخر محمد حسين العزة  

عمان – الأردن

19/2/2023

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي