مابين اليأس والامل... صخر العزة
مــا بــيــن الــيــأس والأمــل
لا شيء في هذه الحياة يأتي بسهولة ويُسر ، وكل إنسان في هذا الكون له طموحاته وأحلامه التي يسعى لتحقيقها ، ويبقى الأمل في تحقيق ذلك هو الهدف لتحقيق المُراد ، ولكن لا يمكن لأي إنسان أن يصل إلى قمة الجبل بخطوة واحدة ، فالصعود إلى أعلى السلم يبدأ من الأسفل إلى الأعلى - درجةً درجة ، ولتحقيق الحلم والحصول على ما نبتغيه لا يكون إلا بالألم والمُعاناة والجُهد ، وبغير ذلك ستبقى في مكانك سِر وتندب حظك وتُلقي اللوم على الزمن أو على الآخرين ، وكما قال الشاعر :
لا تحسبَ المجد تمراً أنت آكلهُ لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فطبيعة الحياة البشرية هي المكابدة والمجاهدة والتعب من أجل تحقيق أحلامك وأهدافك ، وهذا ما فُطِرَ عليه الإنسان ، قال تعالى في سورة البلد - الآية ٤ : { لقد خلقنا الإنسان في كبد } ومن يفكر أنه يمكن أن يحقق ما يريده وهو في مكانه دون جهد وتعب، أو أن يهاب خوض غمارٍ مرحلة معينة لأنه وضع في مُخيلته اليأس والفشل ، فلن يصل أبداً ، وكما قال أبو القاسم الشابي:
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهرِ بين الحُفر
وبالعودة إلى رسالة الإسلام التي حملها سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهو رسول البشرية ومبعوثٌ من الله عزَّ وجلْ للناس كافةً ، عانى وكابد وتعرض للألم والمعاناة والعذاب حتى حقق رسالته ونشرها بين الناس وأنشأ دولة الإسلام ، ولهذا على الإنسان أن لا يفقد الأمل ، وليجعل اتكاله على الله ، فلا يتحقق الأمل المنشود إلا بالمكابدة والألم ، فلا تُغلق الأبواب أمام نفسك باليأس ، فعند الله مفتاحٌ لكل ضيق ، قال تعالى في سورة الطلاق - الآيات 2+3 : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2 )وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(3)} فالحياة كالبحر المائج نخوض في عُبابه ، والنجاح لمن يُحسن التجديف للوصول إلى برِّ الأمان ، ولكن لا يكون ذلك إلا ببذل الجهد والعناء والألم ، والأهم أن لا نفقد الأمل والرجاء ، وأن نجعل اتكالنا على الله دائماً ، وقد يتواجه الإنسان بأمور صعبة ويعتقد أنه لا أمل ولا رجاء في حلها ، ولكن لا يعرف أن الله قد يكون في تأخيره للفرج ما هو لصالحك ، فيأتيك الفرج من حيثُ لا تحتسب ، قال تعالى في سورة الطلاق - الآية ١ : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } فلا تجعل اليأس والألم يسيطران عليك ، واجعل للأمل والرجاء كوة نورٍ تُبددُ ظلام نفسك وتفتح طريقاً لتحقيق أحلامك وآمالك ، وكما قال الشاعر الطغرائي :
أُعللُ النفس بالآمال أرقُبُها ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل .
إن كلمتي الألم والأمل متشابهتان بالأحرف ، ومختلفتان بالمعنى ، ولكنهما مترابطتان بالهدف ، فالفارق هنا كالفرق بين النور والظلام وبين الخير والشر ، ولكن في حالتيهما لا يمكن أن ينفكَّ الإرتباط بينهما ، لأنه لا يمكن كما ذكرت في البداية أن تحقق آمالك وأحلامك بدون ألمٍ وتعبٍ وجهد ، والحياة فيها إقدامٌ وإحجام ، ولا يجب أن نقف ونتراجع منذ البداية إذا واجهتنا مشكلة ما فنستسلم بل علينا أن نحاول المرة تلوَ الأخرى ، وكما قال ألبرت آينشتاين: ( الإنسان الذي لم يرتكب خطأ هو إنسان لم يحاول أبداً ) والواثقون من أنفسهم وقدراتهم يُغذون أنفسهم بالإيجابية التي بالأمل تُنير الدرب مهما كان ظلاماً دامساً ، ولنُشعل مشعلاً في طريق البذل والعطاء ، أما الإنسان اليائس فهو الذي تسيطر على نفسه السلبية ويتوهم بأن العالم كُله ضده ولا سبيل لإزاحة العراقيل من طريق النجاح ، وكما يقول الروائي البرازيلي باولو كويلو : ( الشيء الوحيد الذي يجعل الحُلُم مستحيلاً هو الخوف من الفشل ) ، فطريق الأمل واليأس أو الفشل والنجاح ، أو الخير والشر ، أو أي متناقضين في النفس البشرية ، كُلَّهُ عائدٌ إلى نفسك أيها الإنسان وما تمليه عليك ، وكل ذلك عائد لك في توجيهك لنفسك ، قال تعالى في سورة الشمس - الآيات ٧+٨ : { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكّاها ، وقد خاب من دساها } .
هذه سُنّة الحياة في الكون مليئة بالمتناقضات ، فالإنسان أمام اختبارين في التعامل معها -اختبار اليسر والخير والمِنح ، واختبار العسر والشر والمِحن ، والإنسان الذكي والعاقل هو الذي يعرف كيف يتعامل مع كلا الأمرين بحنكة وبصيرة ، وتحويل ما كان يعتقده مِحنة إلى مِنحة ، وكما قال تعالى في سورة الأنبياء- الآية ٣٥ : { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } وقال تعالى أيضاً في سورة الشرح - الآيات ٥+٦ :{ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6)} .
وختاماً يجبُ علينا أن نُدرك أن الحياة محطات ومراحل نعيشها هنا وهناك ولا تنتهي عند أشخاص محددين أو أماكن معينة ، وعلينا أن نتمسك بأحلامنا وآمالنا ولا نجعل لبعض الفاشلين أو الحاقدين أن ينجحوا في تحطيمنا من أجل بناء أحلامهم على حساب إفشال أحلامنا وتحطيم معنوياتنا وإرادتنا وطموحاتنا وهي رأس مالنا في الحياة للوصول إلى ما نصبو إليه من نجاحٍ وتفوق ، فمهما واجهتنا صعوبات فبالتصميم والصبر والإتكال على الله وقوة إيماننا ، والتفاؤل بالخير وبحُسن الظن بالله عزَّ وجلْ ، نُحققُ مُرادنا ، وكما قال الإمام الشافعي :
ولرُبَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلمت استحكمت حلقاتها فُرِجت وكنت أظنها لا تفرج
صخر محمد حسين العزة
عمان – الأردن
31 / 7 / 2022
تعليقات
إرسال تعليق