صرخة ام...رشدي الخميري

 صرخة أمّ

بنيّ جفّ نبعي، ولم يعد لي ما أعطيك إيّاه سوى حياتي، أو ما تبقّى منها فقد استنزفت كلّ طاقتي واستحوذوا على ينابيعي. نظرة الحزن تلك الّتي في عينيك الصّغيرتين تؤرّقني وتسرق منّي الرّاحة، لكن ما بيدي حيلة. ما بين يديك هي حياتي الّتي تحتضر وتلفظ أنفاسها الأخيرة. خذها وتذكّر أنّي لست السّبب في ما أنت فيه. لست من رسم الحزن على صفحات حياتك الّتي طالما حلمت أن تكون أحسن وأهنأ. لست من سطّر خطوط دربك الّذي غلبت عليه الانكسارات والمطبّات، فما حلمت به سرقوه وتبرّعوا به لمن قد يقتلني ويقتلك. خبّأت لك ولإخوتك صورة ميلادكم وصورا عن أحلامي ستكتشونها عندما تطأ أقدامكم عتبة الحياة الأولى. ستعرفون من خلال تلك الصّور أنّ اسمي مغروس في التّاريخ، ويغيض كلّ من سمعه. لا يطيقون سماعه لذلك اختلقوا ألف حكاية وحكاية ليستبدلوه ويطمسوا آثاره حتّى يطمئنّوا، ولذلك ابتدعوا أبطالا ورجالات وربطوا اسماءهم باسمي حتّى يستصغروني ويهون عليكم مفارقتي ونسياني، لكنّ الحقيقة جليّة ولن يتمكّنوا من محوها. ستجدون على كلّ خطوة تخطونها بصمة وأثرا لأجدادكم وكلّ من مرّوا بالقرب منّي ممّن كانوا أعداء أو أصدقاء فخلّفوا وراءهم حقائق تفنّد كلّ الادّعاءات . ستكتشفون دفاتري الحقيقيّة ولن تنطلي عليكم الحيل الّتي أرادوا بها تفريقكم والّتي قد تجعلكم أعداء في ما بينكم أو حتّى أعداء لي أنا. بنيّ خذ من ينابيعي ما يسقي الأخاديد، والشّقوق الّتي رسموها بينك وبين إخوتك لتعيد المياه إلى مجاريها، ولتينع أزهار حياتكم فتتنفّسوا هواء كان في الماضي حبل وصالا بين الأجداد. خذ من ينابيعي كلّ ما يذكّرك أنّك أصيل فتجمع إخوتك حول صور ميلادكم وميلاد أجدادك، وعندها ستنبثق من الأحجار عيون مياهكم الأصيلة. بنيّ، لتكن أنت الفسيلة التّي ستحوّل الأرض الجدباء إلى حديقة غنّاء فيجتمع فيها أحبّتك وإخوتك، وتعيد للصّورة بهاءها وألوانها الّتي بهتت وكنت فيها أنت وإخوتك مجرّد خيالات رماديّة لا تصنع الحياة. ينابيعي ستنفجر من جديد وستجدون فيها ما يقيم صلبكم ويشدّ أزركم، فلا تيأسوا ولا تنطلي عليكم الحيل.

رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سافرت نحوك....بقلم عيسى جرابا

قل لي يا قلم… كلمات الشاعر نافز ظاهر

اجازة... علاء، عطية علي